تبادلت الحديث مع أخي- رحمه الله – لا يسافر ولا يحب السفر للخارج، ويفضل السياحة الداخلية، وذكرته بقول الشافعي رحمه الله:
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم، واكتساب معيشة،
وعلم وآداب، وصحبة ماجد
فصمت طويلًا، ورد علي
سافر ففي الأسفار خمس مصائب
تكَثٌر همٍ وافتقار معيشة
ودينٌ وإفلاسٌ وصرخة نادمٍ
يقصد بذلك السياحة الخارجية
كنت أعلم أن العنوان يحير القارئ الكريم، ولكن العلاقة بين السياحة والزمن؛ علاقة متلازمة، فأحدهما يحدد الآخر، ويؤثر عليه سلبًا وإيجابًا، بصرف النظر عن الأذواق والوجهات والأغراض التي يختارها السائح لسفره، إلا أن توقيت سفره بيت القصيد؛ حيث إن الزمن هو الذي يفرض الميزانية المقدرة، والمكان المناسب للسفر. والسياحة عمومًا تضرب على وتر الزمن، فترفع التكلفة بشكل جنوني تارة وتخفض التكلفة بشكل يدعو إلى الاستغراب تارة أخرى، ويشمل ذلك شركات الطيران والسكن والنقل، وهذا الأمر طبيعي ويخضع للعرض والطلب، ولكن الغرض من عرض الموضوع هو أن الأزمان الملتهبة الأسعار لم تعد موجودة في تقديري، والسبب هو بروتوكولات السفر الجديدة، فالطائرة لها بروتوكول، والدولة التي يغادر منها لها برتوكول، والدولة التي يصل إليها بروتوكول استقبال فرضته جائحة كورونا التي عادت مرة أخرى بقوة سلم الله البلاد والعباد منها، وقد كره الكثير من عشاق السياحة الخارجية، وأنا منهم السفر للمخاطر المحتملة والبروتوكولات المصاحبة في كل مراحل الرحلة، كيف يسافر الفرد وهو يتخوف من المطعم والكافيه ومن كل شيء حوله ؟ إذا الزمن الذي كان يتحكم في حركة السياحة واقتصادياتها أصبح غير ذي جدوى فالصيف مثل الشتاء، وهنا يأتي الاحتراف السياحي واستغلال هذا الظرف، وتنشيط السياحة الداخلية كبديل للسياحة الخارجية، ولكن الملاحظ أن كثافة الطلب على السياحة الداخلية في بعض الدول فاق المتوقع، وأصبح أصحاب الدخل المحدود والمنخفض لا يستطيعون السياحة كغيرهم من أصحاب الدخول المرتفعة، وإذا قلنا لهم السياحة الداخلية فتحت ذراعيها لكم في مجالات غاية في الروعة قالوا المثل المشهور: “الطائف المأنوس يبغاله كوم فلوس” طيب أما هنالك من حل ؟
الحل متوفر إذا اعتمدت عدة إجراءات تخدم جميع الفئات، منها: الاستفادة من طول مدة السياحة على مدار العام، وإجراء حجوزات مسبقة منخفضة التكاليف، وهذا الإجراء شهدته لدى السائح الصيني في بعض دول جنوب شرق آسيا، ففي الوقت الذي نسكن فيه فنادق الخمس نجوم نجد الجالية الصينية تشغل المساحة الأكبر، وبنفس المميزات، وحينما سألت قيل لي إنهم ضمن قروبات منخفضة التكلفة جدًّا، وأن لهم أوقات حجز في الإجازات يقومون بها من سنة سابقة، نحن نتمتع بشواطئ رائعة، ومرتفعات خلابة، وآثار نادرة، ومجتمع غاية في الكرم والضيافة، وهي متجذرة فيه، أي أن كل مقومات السياحة نملكها، ولكن نحتاج إلى مجهود أكبر مع هيئة السياحة التي بذلت مجهودًا خارقًا، وفي زمن قياسي لتطور هذا القطاع تشكر عليه كل الشكر، وعلى العاملين في قطاع السياحة والمستثمرين فيه أن يضعوا كل إمكاناتهم على مدار العام، والزمن الذي كان يتحكم في السياحة الخارجية ليس موجود في السياحة الدخلية لقرب المسافة وسهولة الإجراءات، وكل العطل الأسبوعية يستطيع الفرد السياحة فيها، ولكنه يحتاج إلى مرافق سياحية مفتوحة، ومساحة الزمن وسعته سوف يقلل من تكلفة السياحة على الفرد العادي، ويستطيع أن يتجول كيف ما شاء في مناطق السياحة كلها. وهذا حل لأصحاب الدخل المنخفض، ويأخذون نفس مميزات المقتدرين ماديًّا، وفي الختام أنا مع السياحة الداخلية وأشجعها بقوة وأقول:
إن السياحة في الأوطان مفخرة
فَسِح بين الأهل والأحباب في البلد.