الأتراك وقرن الشيطان (١-٣)

ما يحدث الآن من مقاطعة للمنتجات التركية هي امتداد وتوسيع لرغبة مجتمعية قائمة منذ سنوات. هي ليست جديدة في مضامينها، ولكنها بالتأكيد مؤثرة؛ لأن التجار أظهروا تأييدهم لها وبدأت كبرى الشركات باتخاذ المواقف اللازمة لدعمها وتأييدها. المسؤولون في القطاعات الحكومية المختلفة عبارة عن مواطنين في المقام الأول؛ ولذلك فإن أي إجراء يتم اتّخاذه ينبع من تلك الحقيقة، وسيكون في إطار النظام بما لا يتعارض أبدًا مع الموقف الحكومي الرسمي المرتبط بعدة اتفاقات دولية لا تسمح له بترسيم تلك المقاطعة.

السؤال الذي يطرح نفسه هو سبب تلك المقاطعة وهل هي موجهة نحو الشعب التركي على وجه العموم؟ بالتأكيد لا. هي موجهة ضد الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية الإخواني كردة فعل طبيعية لمواقفهم المسيئة للمملكة قيادة وشعبًا.

ما يُثير حقيقة هو الصبر الكبير الذي تحلت به القيادة السعودية حتى هذه اللحظة، ولعل هذه ميزة تمتاز بها هذه القيادة. أما الشعب فهم عبارة عن مجموعة من فاقدي العقول، كما يراهم الأتراك بل لعلهم مجموعة من عشاق الخلافة التي يدعو إليها الرئيس التركي منذ سنوات. الذي لا يعرفه الأتراك والكثير من العرب أن الخلافة لا تكون إلا في قريش لا غيرها، ونحن نعلم جيدًا أن جميع الدول التي قامت في العهد العباسي لم يجرؤ أي من قادتها على ادّعاء الخلافة بأي حال أو شكل، بل احتفظوا بالخليفة العباسي في بغداد، وكانوا يقدرون قيمته رغم معرفتهم جميعًا بأنه ليس أهلًا للمنصب، ولكن أصله القرشي منحه ذلك اللقب.

بالتأكيد يستثنى من جميع أولئك القادة سلطان الأتراك سليم الأول الذي غدر بالخليفة العباسي؛ ليمنح نفسه ومن تبعه حق الادعاء بحق لا يملكه. سمة الغدر هي الصفة الرئيسة في سلاطين بني عثمان منذ نشأة دولتهم البائدة وحتى زوالها، ولنا في سقوط مماليك مصر والشام دليل صغير وواضح، ولنا في تاريخهم وعلاقاتهم، بل ومعتقداتهم التي تقترب كثيرًا من شيعة إيران دلائل كثيرة جدًّا على تلك الصفة.
أردوغان يكرر اليوم ما فعله أجداده بالحرف الواحد، ويعتمد اعتمادًا كليًّا على خونة الأوطان ليطأ بقدمه الأرض العربية، وهذه سوريا وليبيا والعراق واليمن وتونس وغيرها أكبر دليل على ذلك. وفي كل هذه الدول كان الإخوان المسلمون هم تلك الأداة التي يستخدمها أردوغان. ليس ذلك فقط بل تجد مسألة تزوير التاريخ وتزييف حقائقه أحد أهم أدواته باستخدام ما يسمى بالقوة الناعمة. ليست الدراما التركية العاطفية فقط بل والتاريخية أيضًا. جميع مؤيدي تلك القوة إما جاهل مغرر به أو إخواني النزعة والهوى حتى، وإن لم يكن منهم. الجاهل أو المغرر به يمكن إعادته إلى الحق بمجرد معرفته للحقيقة المجردة، ولكن مشكلتنا نحن العرب في أهل النزعة والهوى فهم مشروع خيانة قادمة وهم من يستخدمهم أردوغان وحزبه لتأليب الرأي العام أو لدعمه ودعم مشاريعه التي يسعى إلى تحقيقها. فها هم الآن يؤيدون حربه في القوقاز تحت حجة الدين بينما الواقع أن أذربيجان شيعية حتى النخاع، وهي نسخة مكررة من إيران التي تختلف معها في نوع وطبيعة النظام فقط لا غير، ولعل هذا ما يبرر وقوف إيران مع أرمينيا، وهو ما يؤكد بعد تلك الحرب عن الدين ولكن النزعة والهوى تتغلب على مؤيدي أردوغان ومشاريعه ومطامعه.
في لقاء سابق لأحد قيادات الإخوان التي انسحبت من التنظيم، بعد علمه بمخططاتهم وأهدافهم، ذكر الرجل بأن أحد أهم أهداف الرئيس التركي هو إزالة المملكة العربية السعودية من الوجود، وأن هذا الهدف أبلغه به أردوغان في المسجد النبوي وقبل أن يتولى رئاسة تركيا. هل تغير موقف الرئيس التركي؟ الواقع يقول بأنه لم يحدث أي تغيير، مع قناعتنا بأن أي تغيير من أي نوع هو مجرد تغطية لمشروع العثمانيين الجدد فالغدر صفة ملازمة لهم، ومع ذلك لم يحدث ذلك التغيير ولعل في تصريحاته أثناء زيارته الأخيرة لدولة الشر وقرن الشيطان قطر
ما يؤكد ذلك الهدف. الشعب السعودي شعبٌ واعٍ، ويعرف تمامًا ماذا تعني تلك الإساءات المستمرة التي تصدر من الرئيس التركي منذ سنوات، ويعي كذلك أن تركيا أو قرن الشيطان قطر أو إيران يتبادلون الأدوار لاستهداف المملكة العربية السعودية بصفتها قلب العالم الإسلامي؛ ولأن في زوالها إعادة شعبها إلى قرن مضى. تجهيل الشعوب هي سياسة عثمانية بامتياز، وتاريخ تلك الدولة يؤكد ذلك فجميع الدول العربية التي كانت تحت الاحتلال التركي انحدرت ثقافيًّا وعلميًّا منذ سليم الأول وحتى آخر سلاطين تلك الدولة.

ولعل في مسألة تحريم آلة الطباعة والسماح بها لليهود والمسيحيين في تلك الدولة البائدة لهو دليل صغير على تقزيم العقل العربي المسلم وحصاره في بوتقة الجهل والتخلف. المجتمعات المتخلفة ثقافيًّا وعلميًّا يسهل السيطرة عليها وترويج الأكاذيب فيها وتوجيهها نحو ما يريده السلاطين منها. التاريخ أيضًا يكشف كذلك خسة أولئك الأتراك فهم من ساهم في استيطان اليهود لفلسطين، وأشاعوا في مجتمعاتنا العربية أنهم قاوموا ذلك. وهم أيضًا من سلم الجزائر وتونس لفرنسا، وزعموا عكس ذلك، وهم من قدم ليبيا للإيطاليين نظير جزيرة صغيرة على حدودهم، وأوهموا الشعوب العربية بعكس ذلك. وهم من سرق قطعًا من الحجر الأسود، ووضعوا قطعة منه في شاهد قبر سلطانهم وقطعتين في أحد متاحفهم. وهم من سرق محتويات الحجرة النبوية كأول دولة إسلامية في التاريخ تتجرأ على فعل ذلك. وهم أبطال جريمة “سفربرلك” في المدينة المنورة ومنفذيها. وهم من غير ديموغرافية البلدان التي وقعت تحت سيطرتهم. وهم الدولة الوحيدة في التاريخ الإسلامي التي لم يؤدِ أي من سلاطينها فريضة الحج. هذه باختصار شديد جدًّا بعض صفات الدولة الاستعمارية التركية. لعل البعض يميل إلى بعض مزاعم أردوغان وإشارته إلى الأكذوبة الكبرى الخاصة بمحمد الفاتح، إن كان كذلك فهم بحاجة إلى قراءة التاريخ جيدًا فشخصية كتلك الشخصية التي سنت قتل الإخوة بقتل أخيه الرضيع لا يمكن أن تكون من خير الشخصيات وجيشه المكون في أغلبه من الانكشارية ومن خونة العرب ليس خير الجيوش فما فعلوه في القسطنطينية (إسطنبول) لا تفعله الجيوش المسلمة. ولهذا السبب بالذات أتوقع سقوط تركيا وتقسيمها وإعادة فتحها بالتكبير، كما جاء في الحديث النبوي.
ولنختصر الحديث الذي لا تكفيه هذه الكلمات، ونقرر بأن الحقيقة التي ينبغي علينا جميعًا أن نؤمن بها هي أن قرن الشيطان قطر هي من دعم وأيّد، وساهم في كل ما يحدث من خراب في الوطن العربي، وأن هذا المشروع قد بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي واشتد عوده في العام 2006؛ حيث أصبح أكثر وضوحًا عن ذي قبل. ولكنه أظهر عن نفسه وكشف أدواته كاملة بعد مقاطعة الرباعي العربي له. ولا بد لنا أن نعرف أن أسرة “موزة” كانت لاجئة في مصر أو لعلنا نقول كانت منفية إلى مصر قبل ارتباطها بقرن الشيطان القطري، وها هم لا يتوانون عن مهاجمة مصر والعمل على خلق الفوضى فيها. وكذلك الحال مع تركيا التي رفضت لعدة سنوات دفن آخر سلاطينهم في تركيا دفنته السعودية بأمر من الملك سعود رحمه الله في أرضها.
كل ما نحتاجه هو الوعي فقط. منذ العام 2006، ونحن نتحدث صراحة حينًا وتلميحًا حينًا آخر لكشف حقيقة الدولتين: قرن الشيطان قطر والعثمانية الجديدة في تركيا، وها نحن نعيدها باختصار شديد جدًّا فلعل من يقرأ يساهم في تنوير الآخرين. إذا اقتنعنا ببعض هذه الحقائق كما هي فالتغلب على المخطط التركي الإيراني القطري يصبح سهلًا جدًّا؛ لأن الحل باختصار شديد هو في الوعي والمعرفة. هذه المقاطعة ناتجة عن ذلك الوعي وتلك المعرفة، وما نريده هو استمرارها وعدم توقفها حتى سقوط أردوغان وحزبه وغيابهم تمامًا عن الساحة التركية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى