د. بندر الجعيد

الفاقد الاتصالي في زمن الجائحة

فاجأ فايروس كورونا العالم في شهر مارس الماضي، كان مثل الشبح الطائر مختلفًا في طبيعته وأبعاده الصحية عن الأمراض والأوبئة السابقة. أُصيب العالم بالذعر وتوقفت جميع صور الحياة الاجتماعية والترفيهية، وانتقلت جميع المناشط العملية والعلمية والاجتماعية إلى الواقع الافتراضي، وهذا الانتقال لم يكن دون ثمن.

على مستوى العالم، كانت التغطية الإعلامية الدقيقة لتفاصيل الجائحة، ومناظر الممارسين الصحيين بلباس الحماية الكامل في المدن والشوارع أحد عناصر تعزيز المخاوف لدى الأفراد والمجتمعات.

كانت الأشهر الأولى من الجائحة الأصعب على المجتمعات لسببين، الأول أن العالم كان يحاول الانتقال بمعظم مناشطه لعالم الإنترنت والهواتف الذكية لتستمر الحياة. ثانيًّا أنه لم يكن هناك فهم واضح لطبيعة هذا المرض الفيروسي، كوفيد-١٩، وكيفية التعايش معه.

وتتفق جميع الاستقراءات أن الجائحة لها انعكاسات سلبية على الجوانب الصحية، والتنموية، والاجتماعية، والتقنية، والتعليمية. بين الحين والآخر تبرز نقاشات عن هذه التأثيرات وخصوصًا الاجتماعية والتعليمية مثل: الفاقد التعليمي وتأثُر الأسواق وخلافه، ولكن ماذا عن الفاقد الاتصالي؟

صحيح أن التقنية سهّلت التعلم والتعليم عن بُعد، وعقد الاجتماعات والطلب التجاري، والتواصل مع الأقارب، والاصدقاء والزملاء، ولكن هذا التواصل بدون الروح الإنسانية، هو أقرب للتواصل المأتمت والذي بالإمكان تتبعه وقياسه رقميًّا، ولكن أين لغة الجسد وجمال الثقافة وبناء العلاقات الجديدة وتقديم الذات والتعارف، هل بالإمكان تحقيق تواصل فعال دون توافر العنصر الإنساني؟
ماذا عن المجتمعات والأفراد الذين لاتتوفر لديهم الامكانات للتواصل عبر الهواتف والإنترنت في زمن الجائحة؟

إن واقع الفاقد الاتصالي يبرز في المؤسسات التعليمية بحكم إجراءات التباعد الاجتماعي، أصبح الطلبة والاساتذة من خلف المايكات هم في بيئة افتراضية بأنماط اتصال تقليدية، ومع بداية العام الجديد وانتقال الطلبة لمراحل مختلفة في الجامعات والمدارس، كيف بإمكان الطلبة التعارف وتكوين العلاقات والتعرف على الثقافة من حولهم؟ وخصوصًا أنه لايوجد بوادر بقرب انتهاء الجائحة.

على المنظمات التعليمية والإخصائيين التقنيين والاجتماعيين إيجاد المسار أو الطريقة لسد الفاقد الاتصالي، وتعزيز الصحة النفسية للنشء والشباب الجامعي. إن المدارس والجامعات هي مجتمعات تعليمية ولايمكن حصرها في قاعات الدرس والامتحانات فقط. أسأل الله أن يحمي بلادنا والبشرية من هذة الجائحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى