المقالات

صناعة الطائرات (١)

سلسلة مقالات عن صناعة الطائرات
المقالة الأولى
قد يتبادر في ذهن الإنسان بأن صناعة الطيران تعني صناعة الطائرات والحقيقة أن صناعة الطائرات تختلف كليًّا عن صناعة الطيران، فصناعة الطائرات تعني بتصميم الطائرة من الصفر يتبعها تصنيع الهياكل فصفائح الطائرات الخارجية؛ ليتم تجميعهما معًا في مصانع الشركة الأم مع الأجنحة والمحركات وبقية الأجهزة ومكونات الكابينة وصولًا إلى الشكل النهائي، وعلى أعلى درجات الدقة والجودة والسلامة لتجد مكونًا فيزيائيًّا جميلًا اسمه طائرة تطير بالبشر في السماء، وتهبط على الأرض بكل أمن وأمان بينما صناعة الطيران تبدأ؛ حيث انتهت صناعة الطائرة فتعنى برعاية تلك الطائرات والحفاظ عليها لدى المشغلين، وهي مصانة وآمنة للطيران وجاهزة للخدمة في أي لحظة.
إن صناعة الطائرات المدنية تمر بمراحل جودة وسلامة واختبارات عديدة ودقيقة أضعاف ما تمر به صناعة السيارات والسفن والصناعات الأخرى، ويعلو عليها في الجودة والدقة صناعة المقاتلات العسكرية، وأخيرًا صناعة المكوكات الفضائية التي تعلو أعلى الجميع في الدقة والجودة.
وفي الوقت الحالي فإن صناعة الطائرات قد اقتصرت على بعض من دول العالم المتقدمة فقط، لماذا وهل يمكن استيعابها في دول أخرى لم تدرك الركب بعد؟
في ثنايا هذه السلسلة سأشرح حيثيات موجزة عن هذه الصناعة؛ كي يستوعبها القارئ بكل سهولة، كما سأقدم شرحًا عامًا عن صناعة الطائرات دون المساس بحقوق الشركات المصنعة.
وفي خضمها سأزيح الستار عن غموض ماهية القوى الهيكلية السلبية والإيحابية المؤثرة في تصنيع الطائرات مع شرح بسيط لمراحل الضغط الجوي، وكيفية التعامل معها.
ثم أفرد شرحًا موجزًا عن أدوات إنجاح حوكمة التصنيع، والتي تبلغ تسع أدوات ثم أدوات ارتقاء الصناعة؛ لتبلغ مستوى الصناعات الفضائية الدقيقة، وهي ثلاث أدوات.
وستتضمن الإجابة على بعض الاستفسارات الشائعة اللطيفة التي قد تردني منكم كمن يستفسر هل الطائرة كالسيارة بها علبة تروس؟ وستجد إجابات طريفة وواضحة وغير متوقعة.
ولنفهم الصناعة فعلينا ابتداءً أن نعلم كيف ابتدأ الطيران؛ لنعلم سبب تقوقعها في دول محدودة وماهية الفرص التي تملكها أي دولة للبدء في التصنيع، فقد قام العلماء قديمًا بتقسيم مراحل التطور في عالم الطيران إلى سبع حقب هي:

الحقبة الأولى: وهي أمريكية مدنية للفترة ما قبل وحتى الأخوين الأمريكيين رايت 1914م، وهي التي بدأت فيها محاولة صناعة الطائرات، وتخللها الكثير من المخاطر التي انتهت بالكثير من الوفيات حتى نجح الأخوان رايت في ذلك.
الحقبة الثانية: وهي مرحلة أمريكية مدنية عسكرية وسوفيتية عسكرية لفترة الحرب العالمية الأولى 1915م – 1918م، وهنا ظهر دور الطائرات العسكرية في الدفاع عن الدول، والتصدي للعدوان.
الحقبة الثالثة: وهي مرحلة عسكرية أوروبية وأمريكية وسوفيتية عسكرية لفترة ما بين الحربين العالميتين 1918م – 1939م بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها توجهت كل القوى العالمية لصناعة الطائرات العسكرية وبقوة بينما بقيت صناعة الطائرات المدنية في تطورها التجاري المتسارع النمطي دون تدخل من الدول.
الحقبة الرابعة: وهي مرحلة عسكرية بحتة أوروبية وأمريكية وسوفيتية لفترة الحرب العالمية الثانية 1939م – 1945م، وهنا عندما انطلقت الحرب العالمية الثانية توجهت جميع القوى العالمية للصناعات العسكرية بجميع اقتصاداتها وقدراتها مما أثّر على كل الصناعات المدنية، فقد كانت حربًا ضروس.
الحقبة الخامسة: وهي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية 1945م، وتسمى بعصر النفاثات؛ حيث انطلقت صناعة الطائرات المدنية في كل أنحاء العالم فظهرت شركة بوينج وماكدونالدوغلاس ولوكهيد مارتن في أمريكا، وتبعتها شركة كونكورد الفرنسية الإنجليزية المشتركة ثم شركة إيرباص الأوروبية ثم شركة أمبراير البرازيلية فشركة بوبارديه الكندية، وأخيرًا شركات هندية وصينية، ولكن الاتحاد السوفيتي انهار وانسحب من هذه الحقبة قبل أن ينهار الاتحاد بالكامل فبقيت بعض مصانعه في أوكرانيا، ولكن روسيا حلّت محل الاتحاد فبدأت في الصعود تدريجيًّا منذ العام 2000م إلى أن نجحت في العام 2005م.
الحقبة السادسة: وهي خاصة، وتعنى فقط برواد الطيران من بدايات التجارب الحية، وحتى العام 1934م؛ لذا فهي حقبة لتكريم شخصيات ريادية في صناعة الطائرات.
الحقبة السابعة وهي مخصصة لكل طيران يتم خارج الغلاف الجوي ابتداءً من العام 1961م بقيادة الاتحاد السوفييتي – سابقًا – وأمريكا، حيث بدأ الطيران خارجًا عن المألوف برحلات مكوكية فضائية.
وكما ذكرنا سابقًا فتوجد في العصر الحالي العديد من المصانع العالمية، وتلك المصانع بدأت بتزويد بلدانها بالاحتياجات المحلية فقط، وعندما نجحت في ذلك توسعت في أعمالها، وتوجهت إلى الخارج لتضيف نجاحات إلى نجاحاتها وأرباح إلى أرباحها، فلو أن كل دولة كبرى التزمت ذاتيًّا بشراء طائراتها المصنعة محليًّا فقط؛ لشجع ذلك مصانعها المحلية فركوب موجة التحدي لصناعة طائرات مدنية.
والوضع الاقتصادي الحالي يُبشر بإمكانية إدراك الركب متى ما أدركت كل دولة بأن مثل هذه الصناعات تستلزم وجود بيئة صناعية قبل أن توجد مصانع، وتستلزم وجود المهارة قبل وجود الفني، وتستلزم اختراع القوالب قبل اختراع الطائرة، وقبل هذه وتلك تستلزم وجود القائد قبل وجود المدير، وأخيرًا فلابد من وجود الإرادة قبل وجود الدوافع.
——————-
خبير في صناعة الطائرات وصناعة الطيران

Related Articles

3 Comments

  1. مقال رائع من كاتب محترف، المقال جميل جدا، ونبذه مفيدة عن تاريخ تطور صناعة الطائرات، ،
    ادع لكم بالتوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button