المقالات

أحداث فرنسا، ونظرة إسلامية مغايرة

الدعوة إلى الله علم له أصول ومناهج وفقه يجعل له قواعد، وله أساليب ووسائل للتعامل مع كل حدث يصيب المسلمين فيستثير عواطفهم. وفي كل زمان ومكان هناك أساليب ووسائل تنفع في حينها دون غيرها، ومن هذه التي تصلح في زمان ومكان محدد ماينجح مع فئة ويكون عبثًا مع غيرها.

ومن تأمل سيرة النبي- صلى الله عليه وسلم- والخلفاء من بعده وجد فيها أغلب مامرت به الأمة من بعدهم. إن تجييش الناس وتهييج عواطفهم وإلهاب حماسهم في بلد يختلف فيه كل شيء عن بلدك؛ فما هو إلا عاطفة دينية بلا تأصيل في علم الدعوة؛ يضر أكثر مما ينفع، ويهدم ماقد بني فضلا على أن يبني شيئًا. فإذا كانت أعداد المسلمين اليوم في فرنسا بضعة ملايين، وستصبح بالعشرات بعد عقود قريبة، فهل الأفضل بعد استثارة المسلمين عمومًا وهناك خصوصًا؛ أن يدخلوا في صدام مع دولتهم وبقية أفراد المجتمع الغير مسلم وهم الأكثرية، ويطلب منهم فوق مايطيقون ويُثقّل عليهم ويزايد على حبهم لنبيهم!؟ بل الأولى بالمسلمين هناك أن يلتفوا حول المعتدلين من دعاتهم وطلبة العلم فيهم، وهؤلاء يُقيّمون الواقع الراهن عندهم ويرون ماهو الحل الأنجع والوسيلة الأنفع، ولا يعود هؤلاء إلى دعاة المسلمين وعلمائهم في البلدان الأخرى دون أن يفهموهم واقعهم وحالهم، فليس المتكئ على الأرائك كمن في مظنة المهالك. بل يجب أن نعرف، هل المقاطعة لمنتجات بلدهم تضرهم وتضيق في أرزاقهم وتزيد حنق الدولة عليهم؟ بل على الإسلام هناك وإنتشاره؟ فيزيد أهل الباطل في باطلهم ويتمادوا في غيهم، فيكون كل شيء جعجعة بلا طحين، وتوخذ ردود الفعل كعذر سمين لهدم ماتم من جهود السنين، فيستأصلوا المسلمين من منطلق حملات الصليبيين، ولا أحسب حاجة في (أيغور) آخرين أو (آراكان) منسيين.

وأما من يطلق صرخات: أين أنت يا عمر؟ وأين درتك؟
‏فلو عاد لن يقول إلا: أين رعيتي الأولى؟ ولن يرفع الدرة عن ظهورهم؛ حتى يقيمهم على ماقامت عليه رعيته الأولى.

ولمثل ذلك ذهب علي – رضي الله عنهم جميعًا- حين أراد أحدهم أن يُثرب على خلافته واختلاف الناس عليه بعد اتفاقهم على الشيخين، فقال:( لأن رعية أبو بكر وعمر أنا وأمثالي، ورعيتي أنت وأمثالك). إن صلاح الناس في خواص أنفسهم يتبعه صلاح أمور أمتهم، والناظر في عصر المسلمين الحديث يجدهم يجترون الأخطاء التي وقعت قبلهم، بل حتى أخطاء معاصريهم، فإن نجحت تجربة لدعوة وحركة وأسلوب معين في وقت ما، فهو آيل للسقوط في وقت آخر، بل بعضها يجر الويلات للدعاة والمسلمين حتى بعد إنتهاء وقته، وما (الإعجاز العلمي) إلا مثال مشاهد وواقع صارخ يشهد بذلك، ومماصلح في زمن ومكان معين لا يصلح في مكان آخر، فمحاولة نقل (الصحوة) من الخليج إلى المغرب العربي، معلوم مآلاتها.

لقد تأثرت الأمم المستعمرة والدعاة اليوم بفكر المادية الحديثة وظنوا أن القوة في السلاح والمال والحكم. ونسوا أنه ماتم غزو ولا استعمار إلا بعد تهيئة وتقبل الآخرين أنفسهم! إن من يعرف توجيه الجموع ويملك مفاتيح الحشود، هو الفطن دائمًا المنتصر عاجلًا أو آجلًا، انظر إلى أقليات في بلدان كثيرة، تجدها مسيطرة على تلك المفاتيح فتجير كل شيء لمصلحتها، وقت وكيفما شاءت، بينما أخرى أكثر منها بأضعاف في بلدان أخرى لايتمتعون بأبسط حقوقهم!

إن نصرة النبي_ صلى الله عليه وسلم_ إذا لم تكن وفق منهجه والخلفاء من بعده؛ فما هي إلا غضب ما يلبث أن يسكت، ونار موقدة تذهب الأيام بنورها، ومستقر عند أهل الدعوة أن صلاح النية لايبرر فساد الوسيلة والأسلوب، وفسادها وصلاحها كلها لايتعدى إلى المدعو إليه بفساد وصلاح، ومثلها النقد.

قد لا يعجب كثيرًا مما ذكرت الظواهر الصوتية والعواطف المروية بغضبات لحظية، وماهي إلا مهدئات وقتية، وكل من له اطلاع على التاريخ والدعوة يدرك أكثر من ذلك.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button