أفادت التطورات العلمية المجتمع البشري بشكل كبير، ولكنها أثارت مخاوف محتملة من إساءة الاستخدام في نفس الوقت. أحدثت الفيزياء ثورة في عالم العلم، لكنها فقدت براءتها في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين بالمعرفة التي أدت إلى إنتاج القنبلة الذرية – وهي أداة تدمير. الشيء نفسه ينطبق على العلوم البيولوجية بشكل أكثر تحديدًا التكنولوجيا الحيوية التي إلى جانب روعتها جلبت المعرفة المظلمة لأسلحة الدمار الشامل البيولوجية، وفي ضوء زيادة الإنفاق على البحث والتطوير على التقنيات الحيوية ظلت المعايير الدولية لأخلاقيات العلوم تواجه تحديًّا مع التسارع في الإنجازات العلمية في هذا المجال مما دعي منظمة العلوم والتربية اليونسكو إلى إعلان الحاجة لربط الأخلاق بالعلم من خلال علوم تستند إلى الأخلاقيات وحقوق الإنسان، فالعالم ليس بحاجة إلى وحوش متعلمة بل هي بحاجة إلى باحثين وعلماء مؤمنين ومدركين بأهمية إسهام العلم في خدمة الإنسانية لعالم أكثر ازدهارًا وأمنًا.
يُناط بالأمن البيولوجي اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الدول من التهديدات البيولوجية، والتي تشمل كلا من الحرب البيولوجية والإرهاب البيولوجي، وتهديدات الأمراض المعدية للإنسان والحيوان، والإضرار بالمحاصيل، وثغرات الأمن والسلامة في المنشآت التي تحتوي على عوامل التهديد البيولوجي كما يشتمل مصطلح “الأمن البيولوجي” على معضلة الاستخدام المزدوج، والتي تشير إلى احتمال أن يكون لنفس البحث العلمي أو المنتجات أو المرافق المخصصة للصالح الاجتماعي نتيجة غير مقصودة لتهديد السكان، إما عن غير قصد أو من خلال عمل متعمد من أعمال العنف البيولوجي.
فالإرهاب البيولوجي لن نستطيع مواجهة إلا من خلال التعليم الأخلاقي من خلال زرع القيم لأجيالنا المستقبلية، وهي الأجيال التي ستحمل رايات السلام والأمن والأمان، فالأخلاق أساس مهم من أسس البقاء والاستمرار في المجتمع الإنساني المستقر، فالحاجة إلى قيم وضوابط أخلاقية تؤطر هذه العلوم هو ما تحتاجه البشرية تمامًا، حتى تتجنب مساوئ الاستخدام العلمي، وبالتالي قامت بعض المنظمات الدولية كاليونسكو برسم سياسات سليمة وقائمة على معطيات ومعلومات دقيقة بشأن القضايا الأخلاقية المرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا كما اضطلعت بمعالجة التحديات الأخلاقية المستجدة من خلال العديد من الهيئات ومنها اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا (IBC) واللجنة العالمية لأخلاقيات المعارف العلمية والتكنولوجية (COMEST)، ونتيجة لذلك أصدرت بعض الدول قوانين خاصة لدراسة المشاكل المرتبطة بمنجزات هذا التقدم، ولكن تبرز لنا أحد التحديات التنظيمية الرئيسية في العديد من الدول وهي الافتقار في التنفيذ الفعّال للقواعد والقوانين الموجودة، وبالتالي هنالك حاجة لخطوات عملية تهدف إلى المساعدة في خلق ثقافة المسؤولية، حيث يتم تعزيز آليات الإنفاذ من خلال التوعية والتعليم على نطاق واسع.
حثّت جميع الأديان على حُسن الأخلاق واعتبرتها مِعيارًا لتقدّم الشّعوب وحضاراتها، فالقرآن والسنة النبوية المطهرة من أهم مصادر القيم الإسلامية فالمؤمن يستمد أخلاقه من عقيدته ولقد حثّنا الرّسول عليه السّلام بالتحلّي بالأخلاق الحميدة ويحثّنا عليها كما قال بالحديث الشّريف: (إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وأيضًا وصف القرآن الكريم خُلْق الرّسول عليه السلام بالعظيم، كما ورد بالآية الكريمة: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، فالدين كله منهج للأخلاق في شتى الروابط والصلات، والأخلاق هي الدين بكل ما فيه، وليست خارجة عنه أو زائدة عليه في قليل أو كثير، وقد سُئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان خلقه القرآن). والكرامة الإنسانية هي الأساس الصلب الذي تبنى عليه حقوق الإنسان ففي الشريعة الإسلامية الإنسان مخلوق مكرم، جاء ذلك في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) {الإسراء:70}، ومقتضى كرامة الإنسان ألا يُهان أو يؤذى أو يعتدى عليه بغير وجه حق، فما كان من ذلك فهو محرم شرعًا، وسلوك لا يجيزه الشرع ويمنعه بل ويلصق به صفة التجريم.
حرم الله تعالى الضرر بكل أشكاله، يقول الله تعالى: (لا تُضارّ وَالِدة بِوَلَدِها) البقرة: 233، وفي الحديث الشريف -لا ضرر ولا ضرار، والضرر هو ما قصد به الفرد منفعة نفسه وكان فيه ضرر على الغير، أما الضرار فهو ما قصد به الإضرار بالغير، أي أن على المسلم ألا يضر نفسه ولا غيره، والنهي هنا عام عن عموم الضرر فنجد بأنه يمنع المسلم من إلحاق الضرر بنفسه، أو بغيره من الناس، أو يفعل شيئًا يدخل على غيره ضررًا لينتفع هو به وهذه القاعدة الإسلامية، توضح أن الإسلام لا يُقرّ أي سلوك فيه ضرر يصيب حياة الإنسان، لأن الإسلام هو دين الخير والنفع يدعو إلى صحة الأبدان وإلى الأمان ويحذر الإسلام من كل سلوك يترتب عليه ضرر أو إضرار بالآخرين. العقيدة الإسلامية -إذن- تفرض على المسلم أن يتعامل مع مجتمعه والمجتمعات الأخرى بحب وتعاون وتمازج، فيحافظ عليها وينميها ويحذر من إفسادها حتى لا يتعرض لسخط الله وغضبه: )وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ( (الأعراف: 56).
فالحفاظ على القيم يجعل المجتمعات قادرة على حل مشاكلها المعاصرة فهي السياج الامن للأمن المجتمعي والذي يقع الأمن البيولوجي في إطاره، ومن أبرز ما يساهم في تحقيق الأمن الإيمان بالله تعالى، فالأمن والإيمان متلازمان؛ يرتبط كل منهما بالآخر، فالإيمان عامل من عوامل تحقيق الأمن والاستقرار، سواء الأمن الداخلي في حياة الإنسان، أو الأمن الخارجي في محيطه الذي يعيش فيه، كما هو الحال في ارتباط العلم النافع بالأخلاق الحميدة فالعالم الآن أمام مسؤولية عظيمة لضمان الحفاظ على منظومة القيم وتنميتها من خلال التربية والتعليم بما يسهم في النمو والازدهار المسئول الذي يضمن عدم الإضرار بالبشر ومحيطهم الذي يعيشون فيه من خلال ضمان الاستخدام الأمثل للبحث العلمي، وفي شريعتنا الإسلامية السمحاء منظومة متكاملة من القيم تنظم العلاقة بين الخالق والمخلوقين، وعلاقة الإنسان بنفسه، وعلاقة الإنسان بأسرته ومجتمعه ومحيطه الذي يعيش فيه لما فيه خير البشرية جمعاء، ولدينا القدوة الحسنة في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الأمير خالد الفيصل: “ديننا الإسلام، ودستورنا القرآن والسنة، ومناهجنا إسلامية، كذلك حياتنا إسلامية، فكيف لا نكون قدوة ؟، ولو طبقنا مزايا إسلامنا لأصبحت مدننا أفضل المدن، وإداراتنا أنشط الإدارات، ولأصبحت إنجازاتنا الأعظم “.
0