الأرقام لغة جميلة وباب من أبواب الثقافة وروافد المعرفة، ومن وسائل الإقناع، وأحد مصادر المعلومات التي تبنى عليها الدراسات في شتى المجالات؛ خاصة إذا اقترنت بمرجعية صحيحة موثوقة وصدق النقل والاستدلال. وعلى وجهٍ آخر وهو صلب حديثنا أن الأرقام قد تستغل باعتبارها أداة مرنة يسهل توظيفها للتضليل حيال قضية ما أو للتأثير على المستهدف واستمالته في الرأي أو إيهامه وإغرائه بالمشاركة من خلال الاستخدام الخاطئ للأرقام، والتلاعب بها أو الاجتزاء منها بما يخدم أهدافًا معينة لأفراد أو منظمة ما؛ و تكمن خطورة تلك الممارسات في الخسائر والآثار السلبية الناجمة عنها كما في حادثة انهيار شركة الطاقة الأمريكية إنرون نتيجة التلاعب في قوائمها المالية وخداع المستثمرين خلال سنوات توهجها كما نشر حينها. كذلك ما يطرحه الإعلام في بعض الدول من التشكيك في صحة إحصاءات مصابي كورونا وأعداد الوفيات. وبالنظر في كثير من الممارسات الحياتية حولنا تئن لغة الأرقام من توظيفها وتطغى الجدليات حولها. فمثلًا في المجال الرياضي نالت بطولات الأندية حظها من الجدل اللا منتهي عددًا واستحقاقًا دون توثيقٍ ثابت عبر السنين، وتحولت الأرقام إلى لعبة تستهوي إعلاميين ومشجعين في سباق محموم، فتخرج لنا قوائم رقمية باستفادة نادٍ ما من أخطاء تحكيمية، وقوائم للدعم المالي شرفيًّا أو رسميًّا وأخرى لقضايا الأندية مع المطالبات المالية للاعبين، قوائم أقرب إلى التأليف بدافع الانتماء والميول؛ لترجيح كفة المنافسة خارج الملعب وتأريخها وتتحول لغة الأرقام إلى لغة تهكمية عكازها: التاريخ يكتبه المنتصر، ويشكك فيه المتضرر.
ومجال التعليم أيضًا ليس ببعيد عن التأثر بلغة الأرقام، ففي الوقت الذي شهد فيه التعليم عن بعد بمنصاته ووسائله وتطبيقاته نجاحًا متصاعدًا وحلًا واقعيًّا؛ لتجاوز التحديات وترجمة الجهود الجبارة من القائمين عليه خلال جائحة كورونا وتعليق الحضور في التعليم العام والجامعي وأنشطة مراكز التدريب الرسمية والخاصة ومن في حكمها حتى الآن؛ لم يخلُ المشهد في بعض البرامج والوسائل والمنصات غير الرسمية من التركيز على ارتفاع عدد المشاهدات، ومرات الدخول والاستشهاد بها على نجاح الممارسات التعليمية دون التثبت من هوية المشاركين وهل هم المستهدفون حقًّا، وبالتالي تعطي أرقامًا مغلوطة ينبغي أن لا يعتد بها في الجهات الرسمية لكي لا تؤثر في دراسة النواتج وجودتها. وفي مجال التواصل الاجتماعي ومنصاته المختلفة حدّث ولا حرج فهي أرض خصبة للتلاعب بالأرقام وخداع الجمهور وصنع المشاهير، وإن كانوا فارغين ولو بشكل مؤقت، ولعلنا نتذكر موجة التباهي بالمتابعات المليونية لحسابات تويتر لبعض من تصدروا المشهد كمؤثرين حينذاك حتى اكتشاف لعبة البيض، وسقوط الأقنعة مؤخرًا عن الأعداد الحقيقية للمتابعين في حسابات بعض مشاهير السناب.
ومع تلك الممارسات الخاطئة المظللة والتحذير من الانسياق ورائها، تبقى لغة الأرقام ذات المرجعية الموثوقة والمصداقية ثقافة معرفية جميلة، وصورة جاذبة تختصر المسافات، وتوفر الوقت، وتثري العقول.
1
مقال متنوع الاهداف وذو بعد ثقافي اجتماعي ويرشد المتلقي صاحب القرار الى الحقيقة والتروي في اتخاذ القرار دون الاستناد الى الارقام التي قد يكون البعض منها مبالغ فيه لتضليل المتلقي وايهامه بصحتها ، الا في حالة واحدة عندما تصدر من جهة رسمية والتي تستند في ارقامها على المصداقية والشفافية .