شهدت مكة المكرمة نهضة عظيمة -بفضل الله تعالى- ثم بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -حفظهم الله- لما لها من مكانة وقدسية؛ لوجود الحرم المكي الشريف والكعبة المشرفة قبلة المسلمين. حيث إن رؤية المملكة ٢٠٣٠ تهدف إلى رفع عدد المعتمرين من ٨ ملايين في السنة إلى ٣٠ مليون بحلول عام ٢٠٣٠ -بإذن الله تعالى- في حين ترى التطور اليومي الذي يحدث فيها لكثرة وضخامة المشاريع التنموية والخدمية التي تعتبر عصب الحياة في المدن. وهنالك بعض الحقائق والأرقام التي قد تخفى عن الكثير، فزمن العمل بصمت انتهى، ويجب علينا أن نبرز جهود وإنجازات الحكومة الرشيدة وخصوصًا إن كانت هذه الجهود تركز على أشرف وأقدس مدينة على وجهة الأرض.
أم القرى التي قال عنها العزيز القدير (بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) سورة: إبراهيم – الآية: (٣٧)، توفرت فيها المياه العذبة وبكميات وفيرة تكفي ساكنيها وزوار وحجاج بيت الله الحرام على مدار العام، وذلك أنه يغذي مكة المكرمة كبرى محطات تحلية المياه في المملكة؛ حيث إن المملكة العربية السعودية تتصدر دول العالم في إنتاج المياه المحلاة. بالإضافة إلى الخزانات الإستراتيجية المنتشرة على قمم جبالها والجاهزة؛ لضخ المياه على مدار العام. وقس على ذلك خدمات الكهرباء من توليد ونقل، وتوزيع لتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة للبلد الأمين، وزيادة موثوقية المنظومة الكهربائية لمواكبة التوسع العمراني والسكاني الذي يشهده، تزامنًا مع ارتفاع معدلات الاستهلاك الكهربائي في موسم الحج لتواجد ملايين الحجاج في الحرم المكي الشريف وفنادق مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وتشغيل آلاف أجهزة التكييف بجميع أشكالها وأحجامها على سبيل المثال للحصر. كل هذه الأحمال الكهربائية التي ليس من السهولة بمكان توفيرها في نفس الوقت إلا أن ذلك يتم بكفاءة وموثوقية عالية، ولله الحمد.
أما بالنسبة للطرق التي هي في مقدمة الركائز التي تقوم عليها أي نهضة اجتماعية واقتصادية، يخدم مكة المكرمة شبكة من الأنفاق والطرق البرية بمقاييس عالمية تربطها بالعالم من ستة محاور إشعاعية رئيسية تنتطلق من أسوار المسجد الحرام، مدعومة بخدمات البنى التحتية. أضف إلى ذلك مشروع النقل العام الذي ظهرت معالمه، وقطار الحرمين السريع الذي يربط مكة المكرمة بالمدينة المنورة ويسهل الحركة ويختصر الوقت، بطاقة استيعابية تقدر بـ ٦٠ مليون مسافر سنويًّا. كل هذا متوفر في مدينة تعتبر مساحتها الجغرافية محدودة إذا ما قارناها بالمدن الأخرى عالميًّا التي تتوفر بها نفس الخدمات، ولكن المعيار هنا ليس الحجم بل رفع مستوى جودة الحياة والتنقل وبسهولة وأمان، وتوفير الدعم اللوجستي بكفاءة وفاعلية.
وعلى صعيد الخدمات الصحية، تحتضن مكة أفضل المستشفيات الحكومية والخاصة بتجهيزات طبية على أعلى مستوى وكفاءة الكوادر البشرية المؤهلة والمدربة في أفضل مستشفيات وجامعات العالم والتي لا تألوا جهدًا في تقديم الرعاية الصحية، والقيام بأدق وأصعب العمليات، وتوفير الدواء لكل مواطن ومقيم ومعتمر وحاج. وإمكانية زيادة الطاقة الاستيعابية الصحية بتشغيل المستشفيات الموسمية المتكاملة في المواسم ومتى ما استدعت الحاجة، مع ملاحظة أن كلمة (موسمية) هنا لا تعني التقليل من كفاءتها وإمكانياتها، حيث أن في موسم الحج يعمل في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة ٢١ مستشفى رئيسي ما بين حكومية وخاصة وموسمية وأكثر من ١٣٠ مركزًا صحيًّا. مما يظهر لنا أحد أسباب خلو مواسم الحج من الأمراض الوبائية كل عام ولله الحمد.
وعند الحديث عن النظافة والخدمات البيئية تعمل في مكة المكرمة خمس شركات نظافة مزودة بكاميرات ومعدات حديثة للمراقبة والمتابعة إلكترونيًّا عبر نظام الرصد المباشر لدى الجهات المختصة؛ لمتابعة عمليات النظافة في المواقع الحيوية مثل الطرق الرئيسية والمنطقة المركزية. علاوة على ذلك جولات المراقبة المكثفة على منافذ بيع الأطعمة، والتي تتبع أعلى معايير وأفضل أجهزة الكشف عن جودة وسلامة الغذاء حفاظًا على أرواح ساكني مكة المكرمة، وضيوف الرحمن الكرام.
وعلى مستوى الضيافة الفندقية، نستطيع اليوم الاستمتاع بإقامة فندقية في أرقى شركات الفنادق العالمية ذات الخمس نجوم مطلة على الحرم المكي الشريف مباشرةً بطابع عمراني فريد تعطي إحساسًا بقدسية المكان وتعكس روحانية البيئة المكية، ومدى الرعاية والإهتمام لقاطني هذه الأرض المباركة.
أخيرًا وليس آخرًا، هذا قليل من كثير فلا تزال الجهات الأمنية والجهات الحكومية الأخرى ذات الاختصاص يحتاج كل منها لمجلد مكتمل الفصول لذكر مجهوداتهم.
————————
ماجستير إدارة هندسية