د. عبدالله العساف

جمهوري أو ديمقراطي!!

قال صاحبي هل تعلم أن أكثر الأسئلة تداولًا في المجالس، وفي وسائل الاتصال بشكل عام هذه الأيام التي تُصادف المنعطف الأخير لانتخابات الرئاسة الأمريكية، أيهما أصلح لنا، وللمنطقة جمهوري، أو ديمقراطي؟ وهل سوف تتغير السياسات الأمريكية بتغير ساكن البيت الأبيض؟ فأحدهما يعزف منفردًا، بينما الآخر يعزف كقائد للأوركسترا.

عندما تتابع البرامج الحوارية ونشرات الأخبار في القنوات العربية، يتأكد لديك عمق حالة الانقسام التي تخيم على الوطن العربي، فالبعض يتمناه جمهوريًّا عطفًا على الصداقة والتاريخ الإيجابي الذي يجمع بين الجمهوريين وبين دول الاعتدال في المنطقة، بينما يتمنى البعض الآخر وصول رئيس ديمقراطي لا لشيء إلا نكاية بأهل الخليج!! ولسان حالهم، لسان مقال أسلافهم ليس حبًّا في علي ولكن كرهًا لمعاوية!.
هذا التشظي في الرأي العام العربي، يعكس حالة الانقسام السياسي العربي الذي لا يمتلك رؤية واحدة تجاه التحديات والمخاطر التي تتهدد المنطقة دون استثناء، في مقابل انعدام مشروع عربي مشترك قابل للعيش والصمود، ويُمثل رابطة عربية متينة ذات مخرجات تعليمية، وأمنية، واقتصادية، وثقافية، وعسكرية، وسياسية، تعبّر عن كيان واحد يمتلك مقومات القوة ككتلة واحدة، لها وزنها في ميزان القوى العالمية، فإيران وتركيا مثلًا لديهما مشروعهما الخاص في المنطقة، الذي لا يقوم إلا على أنقاض دولنا العربية، ويعبران عنه بصراحة ووقاحة، كما أنهما يحتقران الجنس العربي، وهناك دول وأفراد في المنطقة يرون فيهما الحامي والصديق!!

أعود للانتخابات الأمريكية التي شغلت العالم أجمع، وهو اهتمام مستحق؛ فالولايات المتحدة الأمريكية قادت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبح لها حدود مع جميع الدول، فالعالم دون استثناء دول ومنظمات تتأثر بسياساتها وقراراتها، بل وبتغريدة صادرة من هاتف رئيسها يسهر الخلق جراها ويختصم! فمن الطبيعي أن تحظى بهذا الاهتمام والزخم الإعلامي من القاصي والداني، ويبقى السؤال هل تتأثر سياسات واشنطن فعلًا بمن يجلس في المكتب البيضاوي؟
قد تختلف الأهداف الخاصة، وتتنوع التكتيكات، ولكن الإستراتيجيات ثابتة، فالمتابع لمناظرة المرشحين للرئاسة الأمريكية يعتقد للوهلة الأولى أن ثمة مشروعين مختلفين، وأنا هنا أتحدث عن السياسة الخارجية، ولكن الواقع أن الجميع يسعى لتحقيق مصلحة أمريكا أولًا ومصلحة حزبه ومصلحته الشخصية، ولعلكم تلاحظون أن السياسة الخارجية لم تكن ضمن الدعاية الانتخابية لكلا المرشحين، فالخلاف التجاري مع الصين قائم، ولكل فريق طريقته الخاصة في التعامل مع هذا الملف، وقس عليها الملف الإيراني، وكوريا الشمالية، وغيرها من القضايا الخارجية.

إذا فهمنا هذه المعادلة نستطيع أن نقرر أيهما أصلح لمنطقتنا، وقضايانا، فمن يخدمنا ويتوافق مع مصالحنا هو الأنسب لنا؛ لذا علينا أن نوسع قاعدة علاقاتنا في المستقبل خارج دائرة الحزبين لتشمل صناع القرار ومراكز النفوذ، والدراسات، ونوظف قوتنا الناعمة داخل المجتمع الأمريكي بشكلٍ عام، وأن نصم أذاننا عن أصوات اليسار الغربي وأتباعه في المنطقة، فبايدن من الديمقراطيين التقليدين الذين يتبنون السياسة الخارجية للجمهوريين، فهو لا يُشكل قلقًا للمنطقة خصوصًا إذا تحرر من بعض أصوات مستشاريه.
ومن ناحية أخرى فالظروف اليوم مختلفة تمامًا عن فترة ما عُرف بالربيع العربي، فالمستور أصبح مكشوفًا، والشعوب العربية أصبحت أكثر وعيًّا ودراية بمخططات الفوضى الهدامة، كما أن الرهان على النظام الإيراني والأحزاب الدينية أصبح رهانًا خاسرًا، والأهم أن السعودية رسمت المسار الاستراتيجي لسياسات المنطقة، وأي مساس فيها ليس في مصلحة واشنطن، التي استوعبت دروس الماضي؛ لذا لن يرتدي بايدن قميص أوباما، موتوا بغيظكم.

فهذه الانتخابات الأمريكية لأول مرة يتم التشكيك في نتائجها قبل بدايتها!، وتم اتخاذ إجراءات أمنية من قبل قوات الأمن ومن قبل أصحاب المحلات الذين قاموا بتغطية واجهة محلاتهم بالألواح الخشبية تحسبًا لوقوع أعمال عنف تصاحب هذه الانتخابات، وخصوصًا بعد إعلان النتائج، ولا ننسى أن كورونا التي سمحت بالاقتراع عن بُعد، ستمثل طوق النجاة للمرشحين للطعن في نتائج الانتخابات.
وأخيرًا تكرر السؤال عن العلاقات السعودية الأمريكية، في حال فوز جو بايدن، فكان الجواب؛ القلق ليس على مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية، بل على مستقبل العلاقات الأمريكية الأمريكية، فهذه الانتخابات خرجت من السجال السياسي إلى التهديد بالصراع القانوني، مما أخرج التنافس بين الحزبين من التنافس الأمريكي الكلاسيكي، إلى الصراع الفكري بين الأيديولوجيا، والبراغماتية.

قلت لصاحبي:
في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم هناك مصالح دائمة.

Related Articles

4 Comments

  1. الخوف أن يأتي بايدن بما هو مخفي كما كان مخفياً ما كام عند اوباما…

  2. الخوف أن يأتي بايدن بما هو مخفي كما كان مخفياً ما كان عند اوباما…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button