منذ أن بدأ الانحسار القسري للقوى الاستعمارية، وتقلص نفوذها عن كثير من الدول العربية والإسلامية، وخوض معظمها تجارب سياسية مختلفة تحاكي تجارب دول عظمى بأنظمة حكم متباينة الفكر والنجاح، لمحاولة اللحاق بالركب العالمي بعد عقود طويله من الرزح تحت وطأة الاستعمار والاضطهاد والقمع والعنصرية، غالبية تلك التجارب وجدت نصيبها من الفشل لعدة عوامل مختلفة مما أدى إلى حالة من الإحباط للمجتمعات و تعزيز روح الإنهزامية وصعود لفكرة مثالية كل ما ليس عربي أو إسلامي لا سيما إن كان أوروبيًّا أو أمريكيًّا أو حتى روسيًّا ويابانيًّا.
عزز تلك الافكار نزوح الكثير من شباب العرب والمسلمين إلى تلك الدول بغرض التعليم واستكمال الدراسة؛ فحصلت الصدمة الحضارية إن صح التعبير برؤية مناظر حضارية لم تعتدها أعينهم وأساليب حياة مختلفة وقوانين وتشريعات مغايرة لما عرفوه جعلتهم فور عودتهم يعقدون المقارنات، وينظرون بعين السخط تجاه أوطانهم، ويوجهون سهام النقد لكل ما فيها من مظاهر وقيم وعادات وأنظمة، ويلقون باللوم على كل ذلك، ويوجهون أصابع الاتهام هنا، وهناك دون النظر إلى عيوب وسقطات، وثغرات تلك الدول ومجتمعاتها وأنظمتها ومدى ملائمتها لدول أخرى تختلف عنها كليًّا تاريخيًّا، وثقافيًّا، وبيئيًّا، ودينيًّا.
نعم لا يمكن إنكار أنهم الأكثر قوةً وتقدمًا عسكريًّا، واقتصاديًّا، وصناعيًّا، ولهم السبق في أغلب المجالات لكنهم ليسوا كما يتم تصويرهم لنا من خلال ما نسمع، ونقرأ ونشاهد مثالًا للحرية ونموذجًا في تطبيق حقوق الإنسان.
كثير من التماثيل المنصوبة في أذهاننا لهؤلاء زلزلت وتهاوت بمجرد حصول أزمة حقيقية تهدد حياة الناس، وتبث الرعب في نفوس البشر مما قد يحصل لهم جراء نقص الغذاء والدواء والرعاية الطبية والأضرار المباشرة على الأموال والأنفس، فرأينا تفوقًا واضحًا لدولنا العربية والإسلامية “المستقرة” في كيفية إدارة الأزمة دون المساس بمواطنيها، وتجنبت كل ما يُشكل خطرًا على حياتهم أو يهدد مصالحهم فرأينا القرارات الحكومية المتوالية والتدابير اللازمة المتخذة؛ لتوفير الغذاء والدواء مع طمأنة المواطنين بتوفر الكميات الكافية للجميع مع الصرامة في محاسبة من يتسبب في احتكار السلع، ورفع الاسعار بالإضافة إلى الدعم الحكومي اللامحدود للشركات المتضررة والموظفين المهددين بالبطالة، وسرعة اتخاذ وتنفيذ الاحترازات مهما كانت الأضرار والخسائر على الدولة في سبيل سلامة الإنسان والإنسان أولًا دون نسيان التعهد بعلاج ورعاية جميع المواطنين والمقيمين وحتى المخالفين على حدٍ سواء دون تمييز أو تفرقة.
مهما بلغ التقدم الغربي علميًّا ومعرفيًّا؛ فإنه لا يمكن أن يصل إلى ما وصلنا إليه إنسانيًّا.
0