المقالات

قمة العشرين.. والوهج السعودى

* في صيف عام 2018 استدعى رئيس تحرير صحيفة عربية رئيس القسم الاقتصادي بالصحيفة، وكلفه بالسفر إلى الأرجنتين لتغطية فعاليات قمة العشرين .. بدا رئيس القسم كأنه لم يستوعب .. أدرك رئيس التحرير ذلك فحدثه باختصار عن القمة، وأنها ملتقي لقادة أهم عشرين دولة في العالم يقررون بالنيابة عنه ما يتعلق باتجاهات، ومتطلبات، ومرتكزات، وأهداف اقتصاده في العام المقبل، وشدد علي التخطيط المبكر من أجل تغطية تليق بالصحيفة والمناسبة.

* غادر رئيس القسم الاقتصادي مكتب رئيس التحرير يتنازعه شعوران: الأول هو الفرح بفرصة سفر إلى إحدي دول أمريكا اللاتينية التي انبهر بروائييها وشعرائها حين كان يتعاطى الأدب قبل أن تجذبه الأرقام، والمؤشرات الاقتصادية .. والشعور الثاني هو الإحساس بورطة تغطية مناسبة وملتقي لايعرف عنهما إلا النذر اليسير، رغم أنهما في صميم تخصصه، لكنهما ليسا بحجم منتدى دافوس الذي يشغل العالم كله.
* لم يكن رئيس القسم الاقتصادي استثناءً بين الصحفيين الاقتصاديين العرب وربما على المستوى الدولي .. إذ لم يكن لقمة العشرين هذا الحضور الكبير في الإعلام خاصة غير المتخصص، ولم تكن تغطيتها تتجاوز تقريرًا في صفحة اقتصاد داخلية بمعظم الصحف؛ خاصة العربية.

* وتدريجيًّا مثل كرة الثلج بدأت أخبار قمة العشرين تأخذ مساحة أكبر، وتقفز من صفحة الاقتصاد إلى الأولى .. وارتبط ذلك بالإعلان عن أن وفد المملكة إلى القمة سيكون برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع .. تزامن ذلك مع حملة مغرضة شنتها دكاكين الإعلام المستأجرة لصالح تركيا، وقطر والإخوان .. الحملة روّجت لصورة صنعها الخيال المريض عن لقاءات باردة من قبل كبار قادة العالم الذين ينوون النأي بأنفسهم عن الظهور الإعلامى مع سمو ولي العهد على خلفية ادعتها هذه الأبواق عن مزاعم حول حرب اليمن، وجريمة قتل المواطن السعودي جمال خاشقجي، والتي تعاملت معها المملكة في إطار العدالة الناجزة باعتبارها جريمة جنائية راح ضحيتها مواطن على أرض سعودية.
* ومع اقتراب موعد قمة العشرين زادت ضراوة حملة مثلث الشر عن العزلة المزعومة، وترهات أخرى من قبيل أن سمو ولي العهد سيقضي جل وقته بسفارة المملكة في بيونس أيرس، وقادتهم أوهامهم إلى أن سموه ربما يواجه بدعاوى قضائية.

* في هذا التوقيت كان سمو ولي العهد في جولة خارجية شملت الإمارات والبحرين ومصر التي قضى فيها يومين، كان خلالهما محل حفاوة وترحيب بالغين من قبل الرئيس والشعب المصري، ومنها إلى تونس التي أجري فيها مفاوضات مثمرة وبناءة مع الرئيس الباجي قايد السبسي، اختتمت بمنح سموه وسام الجمهورية أرفع الأوسمة التونسية؛ تقديرًا لجهوده في دعم العلاقات بين البلدين الشقيقين قبل أن يتوجه إلى بيونس أيرس لرئاسة وفد المملكة في القمة؛ حيث تصدرت نشاطاته وسائل الإعلام العربية والدولية خصوصًا حين تابع العالم الأمير الشاب، وهو ينقل له الرؤية السعودية لمستقبل اقتصادى دولي مزدهر.

* وعلى وقع أكاذيب مثلث الشر كانت الأنظار تتجه إلى قمة العشرين ليس بسبب جدول اعمالها ونتائجها المرتقبة، ولكن لتتابع كيف سيستقبل كبار قادة العالم الأمير الشاب .. وعلى عكس ما روّجته دكاكين الإعلام البائسة أبرزت الصحف والفضائيات العالمية صور المصافحة الحميمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسمو ولى العهد في اليوم الأول للقمة، والتي تميزت بكثير من الود إذ تصافحا بحرارة صديقين رياضيين قبل أن يجلسا متجاورين على طاولة القمة، وهما يتحدثان ويتبادلان الابتسامات .. والتقطت عدسات المصورين إيماءات الترحيب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أن تنخرط ابنة الرئيس إيفانكا ترامب في حديث مع سموه .. وكانت اللقطة الثالثة من نصيب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حديث طويل مع سموه ..وتوالت لقاءات الأمير محمد مع رئيسة الوزراء البريطانية حينها تريزا ماي .. وعقب لقاء مماثل خرج الرئيس الصيني شي جي بينج ليؤكد أن بلاده تولي دائمًا أهمية كبيرة لعلاقاتها مع السعودية، وأن الاستقرار السعودي يمثل حجر الزاوية لازدهار وتقدم الخليج .. وكان سموه قد عقد عقب وصوله بيونس أيرس اجتماعًا وصف بالهام مع الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري.

* وهكذا اكتسبت القمة زخمًا كانت ستفتقده لولا الحضور شديد الخصوصية للأمير الشاب .. وأمطرت دكاكين الإعلام المؤجرة إلى إغلاق أبوابها مؤقتًا بانتظار فرصة انتهازية اخرى اعتقد مؤجروها أنهم قادرون على تمرير أكاذيبهم فيها .. وظنوها قمة أوساكا اليابانية لتأتي اللطمة اقوى وتمضي القافلة السعودية دون ان يعطلها نباح الكلاب .. ومثلما حدث في بيوس أيرس تواصلت لقاءات الكبار مع سمو ولي العهد .. وإلى جانب قادة الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا ضمت القائمة ملكة هولندا، ورؤساء وزراء اليابان والهند، وسنغافورة.

* وتأتي قمة الرياض في ظرف استثنائي في ظل قيادة استثنائية بأدوار استثنائية فرضتها جائحة كورونا، وتنجح المملكة في تحويل المحنة إلى منحة وترسي مبدأ “التحديات المشتركة تواجه بعمل دولي مشترك وتترجم شعار” اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين لصالح الجميع “إلى قرارات، وإجراءات عبر ثلاثة محاور هى تمكين الإنسان، والحفاظ على كوكب الأرض، وتشكيل آفاق جديدة .. وتوفر كل أسباب النجاح لقمة افتراضية تكرس دعائم “دبلوماسية الكبار عن بعد، وتقدم النموذج لنمط مختلف مفاده” العالم يتلاقى دون أن يلتقي.

* باختصار يمكن القول: “هنا الرياض .. العالم يتحدث” .. إنه الوهج الإضافي لقمة العشرين عبر دوراتها الثلاثة مؤكدًا أنه صناعة سعودية خالصة.

———————-

كاتب صحفي مصري

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button