تنعقد غدًا قمة مجموعة العشرين، المنتدى الرئيس للتعاون الاقتصادي الدولي، بعضوية أكبر الاقتصادات الدولية لمناقشة القضايا المالية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتي تتشرف المملكة برئاستها وقيادتها غدًا بإذن الله بعنوان ”اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع“.
تأسس هذا المنتدى الدولي سنة ١٩٩٩ لمواجهة تداعيات الأزمات المالية في التسعينيات وتنسيق الجهود لمنع تكراره، وتمثل دوله ثلثي التجارة وعدد السكان في العالم، وأكثر من ٩٠ بالمئة من الناتج العالمي الخام. وفي نوفمبر 2008، ولأول مرة في تاريخ المنتدى، اجتمع رؤساء الدول والحكومات (وليس فقط وزراء المالية) في عاصمة أكبر اقتصاد عالمي، واشنطون.
تتمثل القارة الآسيوية في المنتدى بالصين، والهند، وإندونيسيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، والمملكة العربية السعودية. وتمثل جنوب أفريقيا وحدها القارة الأفريقية، وتمثل الأرجنتين، والبرازيل أمريكا الجنوبية، فيما تمثل وأوروبا: بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي، إضافة لروسيا وتركيا. أما أمريكا الشمالية فتمثلها الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك، فيما تمثل أستراليا أصغر القارات، استراليا.
وإضافةً إلى أعضاء مجموعة العشرين، تُوجَّه الدعوة إلى دول أخرى للمشاركة؛ فإسبانيا ضيف دائم. وفي القمة الحالية، دُعيت كلًّا من الأردن، وسنغافورة، وسويسرا للمشاركة بصفة ضيف. كما شاركت المنظمات الدولية المساهمة في عمل المجموعة، ومنها: منظمة الأغذية والزراعة، ومجلس الاستقرار المالي، ومنظمة العمل الدولية، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والأمم المتحدة، ومجموعة البنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية.
وحرصت السعودية على دعوة المنظمات الإقليمية، ومنها: صندوق النقد العربي، والبنك الإسلامي للتنمية، وفيتنام رئيسة رابطة دول جنوب شرق آسيا، وجنوب أفريقيا رئيسة الاتحاد الأفريقي، والإمارات العربية المتحدة الرئيس الحالي لمجلس التعاون الخليجي، ورواندا لرئاستها الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا.
ولعل من أبرز إنجازات عهد الحزم والعزم اختيار بلادنا لرئاسة هذه القمة العالمية الكبرى، فالمملكة العربية السعودية (بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الذي نجدد اليوم بيعته) استعدت لرئاسة قمة العشرين (التي تعقد لأول مرة في دولة عربية) استعدادًا غير مسبوق في القمم السابقة. فقد أرادت القيادة السياسية أن تشكل هذه القمة فارقًا ملموسًا، وتترك بصمة واضحة على مسيرة التعاون الدولي في كافة المجالات التنموية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية. ولذا فقد شكلت لجانًا في كل المجالات واختير لها اختصاصيين على أعلى المستويات المهنية والعلمية، ووفر لها كافة الإمكانيات المالية والعلمية والتقنية، والدعم السياسي والدبلوماسي، لتسهيل أعمالها وتكريس منجزاتها، ورفع معدل إنتاجها.
التحدي الأكبر كان وباء كورونا في بداية العام الحالي، مما أشغل العالم وعطل الاتصالات ووسائل النقل، وبدا وكأنما هي نهاية كل الجهود التي بذلتها الفرق المعنية بإنجاح القمة. إلا أن هذا التحدي كان بالنسبة للقيادة السعودية فرصة لإثبات القدرة على مواجهة اصعب المواقف واجتياز اصعب الامتحانات. لم يكن في ذلك سابقة، فقد ألفت هذه البلاد التجلي في احلك الظروف والأحداث، والأمثلة في ذلك كثيرة، ومن أبرزها مواجهة مخططات إيران وتركيا وأطماعها في المنطقة العربية، ودحر العدوان العراقي على الكويت، ومواجهة انهيارات الأسواق العالمية عامي ١٩٨٧ و ٢٠٠٨. ولذا فقد وجهت كافة اللجان وفرق العمل للاشتغال بضبط إيقاع التعاون الدولي لمواجهة هذه الكارثة المفاجئة والمدمرة بسرعة انتشارها وتأثيراتها وتداعياتها المستمرة.
وخلال وقت قصير، تمكنت مجموعات العمل من التكيف مع الأجندات المستحدثة، وحولت اهتمامها إلى القضايا المستجدة، الصحية منها والمالية والعمالية والاجتماعية؛ بالإضافة إلى الاقتصادية. ودعيت لورش العمل منظمات دولية متخصصة وخبراء عالميين في مجالات الصحة، والعمل، والنقل، والمصارف، للبحث في الخطوات المطلوبة لمواجهة العقبات التي تواجه الحكومات لمعالجة الظواهر التي أفرزتها الجائحة، وأثرها على الصحة العامة، والوظائف، وحركة الاقتصاد، وسلاسل إمدادات الغذاء والدواء، والاحتياجات الإنسانية الأساسية. وأعد العلماء والخبراء والباحثون في كافة المجالات مئات التقارير والبحوث والدراسات، كان للمملكة منها نصيب كبير، إذا احتلت المركز الثاني في مجموع الإصدارات متقدمة في ذلك على دول كبرى ومتقدمة في البحث العلمي.
كما تم التركيز على احتياجات الدول النامية والفقيرة، وتوفير الدعم المالي والتقني والإنساني لها، والعمل على توفير الأدوات اللازمة لحكوماتها للقيام بما يجب عليه القيام به من توعية وتوجيه وحماية وخدمات. وتم إنشاء المراكز الصحية المتخصصة في الأمراض الوبائية، وأرسلت الفرق الطبية إلى هذه البلدان، وجالت مناطقها الحضرية والنائية، وقدمت المشورة والدعم للمستشفيات والخدمات الصحية والتعليمية، وللإدارات الحكومية. وما كان كل ذلك ليتم بعد توفيق الله لولا تبني القمة بقيادة المملكة لهذه المشاريع وتوفير الدعم المالي لها بإشراف المنظمات الدولية المعنية كمنظمة الصحة العالمية، والهلال الأحمر، والصليب الأحمر.
وبتنسيق وتوحيد ودعم الجهود المختبرات الدولية لعمل البحوث والاختبارات والدراسات العلمية ودعم القمة لهذه الجهود ب١٠ مليارات دولار، تمكن العالم من تحقيق فتوحات علمية تاريخية، باكتشاف أكثر من لقاح لعلاج كورونا بلغت كفاءة وجدوى بعضها إلى نسبة نجاح تقدر ب ٩٥٪، وهذا إنجاز كبير وغير مسبوق في هذا الوقت القصير. وقد حرصت القيادة السعودية للقمة على سرعة وكمية الإنتاج، وضمان عدالة توزيع اللقاح على شعوب الأرض، غنيها وفقيرها.
كما تغلبت السعودية على إشكالية التواصل المباشر لتأثر حركة النقل وإجراءات التباعد الاجتماعي بتطوير منصات للمؤتمرات والاجتماعات الافتراضية، حتى فاق عدد اللقاءات وكمية المنجزات ما تحقق في الظروف الطبيعية خلال السنوات الماضية. ونجحت المؤسسة السعودية ”ساديا“ بقيادة شبابها السعوديين من توفير البنية التحتية، والبرامج الرقمية، والتجهيزات الفنية المتقدمة؛ لإنجاح هذه اللقاءات الافتراضية والعملية الشاملة والمتكاملة للتواصل والعمل عن بعد بنسبة بلغت ١٠٠٪. وساهم في تحقيق ذلك تطوير شبكة الاتصالات في المملكة بشكل وضعها في المرتبة العالمية الأولى في السرعة والانتشار والكفاءة.
لم ينتهِ العام ٢٠٢٠ بكل تحدياته ومفاجآته بعد، فلا زال أمامنا قرابة شهر ونصف يتم خلالها انعقاد القمة (افتراضيًّا) في موعدها المقرر غدًا وبعد غد ٢١ -٢٢ نوفمبر)، وقد سبقتها قمة طارئة في مارس الماضي لمواجهة تداعيات الجائحة. ولكن يمكن القول بأن أهم الإنجازات قد تحققت بالفعل. فقد تم الحصول على التزامات بما يفوق ٢١ مليار دولار أميركي لإنتاج الأدوات التشخيصية والعلاجية واللقاحات وتوزيعها وإتاحتها، وضخ ١١ تريليون دولار لحماية الاقتصاد العالمي، وتوفير ١٤ مليار دولار لتخفيف أعباء ديون الدول الأكثر احتياجًا، وتمويل أنظمتها الصحية، وخدماتها الاجتماعية.
وستركز قمة الغد على تمكين الإنسان، والحفاظ على كوكب الأرض، وتشكيل آفاق جديدة. وذلك بالقضاء على الوباء، والحفاظ على الأرواح، واستعادة النمو، ومعالجة أوجه الضعف التي كشفتها ردود الفعل الدولية المرتبكة والمتضاربة تجاه الجائحة حتى في أكثر الدول تقدمًا، كبريطانيا وفرنسا وايطاليا والولايات المتحدة، التي تشهد أرقامًا قياسية في حالات الإصابة والوفاة، ووضع الحلول والسيناريوهات مواجهة على المدى الطويل. كما ستسعى القمة إلى تعزيز التعاون الدولي من أجل اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع عبر تمكين الأفراد، وحماية كوكب الأرض، وتسخير الابتكارات العلمية والتقنية؛ لتشكيل آفاق جديدة للعمل المشترك في مجالات الصحة، والتعليم، والطاقة المتجددة، والتجارة العادلة والاستثمارات المجدية.
كل ما سبق أعطى انطباعًا مبهرًا فاجئ العالم، خاصة في ظل ظروف طارئة لم تكن في الحسبان، ولم يسبق لها مثيلًا. كما ساهم في رفع أسهم السعودية عالميًّا، والفخر بها عربيًّا وإسلاميًّا، أن النجاحات التي تحققت، كانت على يد خبراء سعوديين، أكثرهم من الشباب، استطاعوا أن يثبتوا قدراتهم المهنية، والعلمية، والتقنية في مختلف المجالات التقليدية والحديثة، وأن يتفوقوا في أدائهم على أقرانهم من دول سبقتنا في مضمار المدنية الحديثة والتقنية المتقدمة والبحث العلمي مئات السنين. ولازال أمامنا شهر ونصف؛ لنضيف المزيد على قائمة المنجزات.
علمًا بأن المملكة ستبقى خلال العام القادم رئيسًا بالمشاركة مع إيطاليا في قيادة القمة، حتى تسلم روما القيادة رسميًّا في بداية العام ٢٠٢٢، تمهيدًا للاجتماع القادم في خريف العام ٢٠٢٢. كما شاركنا مع اليابان العام الماضي ٢٠١٩ في قيادة القمة حتى انتقالها بالكامل إلى الرياض بداية العام الحالي. أي أننا لثلاث سنوات، مضى منها عامان وبقي الثالث، نقف على أعلى قمم العالم. ياله من شرف عظيم، مستحق، لبلاد قادت العالم الإسلامي سبعة عقود ولا تزال، وقيادة كسبت احترام العالم وتقديره وحسن ظنه.
وفي عهد بدأ بقيادة تحالف عربي، إسلامي، لنصرة أخوتنا في اليمن ومواجهة الطامعين في بلادنا من أصحاب الأحلام والأوهام والمشاريع التوسعية والامبراطوريات البائدة، وفي عهد استعد للمستقبل برؤية السعودية ٢٠٣٠، ومشاريعها الاستثنائية وبرامجها الاجتماعية وخطابها الثقافي والديني المتجدد، تأتي هذه القيادة لأكبر تجمع اقتصادي يشهده العالم في تاريخه الحديث، لتؤكد على المكانة الجديدة لبلادنا والتي تحققت خلال خمس سنوات فقط من قيادة الحزم والعزم متمثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله ورعاهما.