المقالات

الذكرى السادسة

تأخذ الذكرى حقها في الاحتفاء حين تكون بداية تستحق، ومنطلق لكل ما تعيش أثره، فتنعُم بحاضره لتحيي مستقبله، وتكون أكثر حضورًا حين لا تبقى حول نفسها فقط، بل تتعدى لتكون ملهمة للآخر، وسماء يتمنى من لا يطولوها أن تكون سقفه كأكثر ما يتمنى، وأعظم ما يطمح.
قد تحوطني العاطفة والانتماء في شرح هذا الذكرى ولكن، سيعجز غيري ممن لا يريد لتلك الذكرى أن تكون سماء المجد في أن يثبت غير هذا، فالذي نلمسه يمجده المحب، ويغلق فم الحاقد على أقل تقدير، ومع كل ضربة موجعة لكل كاره تأتي إرهاصات الضربة القادمة قبل أن يتنفس الصعداء، ولازالت تتوالى وستتوالى مستقبلًا بإذن تلك الضربات لكل من جعل من نفسه عدو لهذه الأرض.
الذكريات كثيرة المرور قليلة التأثير؛ ليبقى في كل مسار ذكرى تأبى الانكفاء وتستعصي على الموت، ولعل ذكرى البيعة السادسة هي أول تلك الذكريات التي تتجذر في التاريخ لتصبح رمزًا، وتتعمق في الأيام لتصبح أيقونة.
الناس ليسوا بسطحية تجعلهم يذكرون مالا يذكر ويمجدون من لا يستحق، وهذا بيّن في أصداء هذه الذكرى وجليّ في هذا التوقيت.
ستة أعوام فقط.. استطاعت أن تخلق واقعًا لم نكن نحلم أن نصل إليه في أضعاف هذا الرقم، والأهم من هذا أنها لم تكن أحادية الوجهة محورية الارتباط، بل كلية التوجه شمولية المنطلق وعامة الأهداف. سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وحين تتبّع الأرقام قد تنذهل أمام القيمة التي حُققت داخليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، وكيف استطاع الحزم من جهة ونجاعة السياسة من جهة أخرى في جعل المملكة قوة اعتبارية وسياسية وعسكرية هي الأولى في المنطقة، وتأخذ مستوى متقدم بين دول العالم حتى أصبح الكثير يتمنى المصافحة ويحلم بمد جسور التعاون، وخلق الفرص، كل هذا بسبب صناعة السياسة بمنظور القوة والحزم، وعدم المهادنة أو الرضا بإنصاف الحلول، وتجلّى هذا في بعض السياسات التي اتخذتها القيادة بعد استنفاد جميع الحلول الممكنة قبل كل تحرك حازم.
لم يكن الاقتصاد سوى أحد عيدان تلك الحزمة وواحد في مجموعة وفرد من خلق كثير، فبدأ السير حثيثًا بتلك الرؤية (2030) التي كوّنت دستور اقتصادنا الجديد وخطته الملهمة، ويكفي أن نعلم مدى الثبات في العبور والتوازن في التخطي من خلال تلك المنعطفات المثقلة والهوّات الموحلة، فحين ترى تلك الأزمات التي انهالت على العالم، وأنهكت اقتصادات تلك الدول، وكيف استطعنا أن نخرج من كل تلك الصروف بمثالية قلّ أن توجد، ورواية الأرقام تكفي عن الكثير من الكلام وهي الآن في تجهيز مكانها المقرر من خلال عقد العزم على التوجه نحو: وجهة استثمارية طامحة-وتوازن اقتصادي وانفكاك عن اقتصاد البترول بروزنامة مشاريع واعدة كـ : نيوم، البحر الأحمر، القدية) والقائمة تطول، وهذا باختصار مخل كما يُقال.
أما اجتماعيًّا فقد تخطت الخطوة وقت الوصول فكانت قفزة نوعية في دفع هذه العجلة من خلال الكثير من القرارات الشجاعة والقوانين التي تصب في مصلحة ذلك التقدم، وتعلي من ذلك البناء فتمكين الشباب والعمل، وسياسة المجتمع الوظيفي المستقر، وتمكين المرأة، وخلق المناخ الملائم، وبعث التنافسية بتساوي الفرص، وردم هوة الفساد الذي كان بطريق أو بآخر معيق لتلك الإصلاحات ولدينا المزيد مما يستحق ذكره، ولكن.. وكما أسلفت.. لست بصدد شرح الإنجاز فالإنجاز أبلغ مني في شرح نفسه وتسمية خطواته، ولكن كان لابد من تسبيب هذا الاحتفاء الجدير بهذه الذكرى السنوية، والوقوف على هذا الاستحقاق، ونثر ما يمكن نثره لنرى ما لدينا بعين أكثر بصيرة وأقوى بصرًا.
أخيرًا…. كل ما نراه هو لنا، وتلك دافعية الاحتفاء.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button