المقالات

ما أشبه الليلة بالبارحة!!

يكاد يجمع الخوارج منذ عصر النشأة حتى يومنا هذا على القدح في العلماء الربانيين ولمزهم بأبشع الأوصاف والعبارات ونعتهم بأئمة الضلالة، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في خُلقِهم هذا: “وأصل ضلالهم: اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم ضالون” مجموع الفتاوى 28/497، ويأبى المتأخرون إلا السير على خطى الأولين فالمتأمل للبيان الذي صدر عن ما يسمى بالهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين في معرض ردهم على خطاب هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية المحذر من جماعة الإخوان المسلمين، وأنها جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتلبس بالدين، وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب، يجد أن الرابطة اختطت لنفسها الخط نفسه خط الخوارج الأوائل في القدح في العلماء والتقليل من شأنهم فقد انقسم البيان إلى شقين الأول ينفون فيه تهمة الإرهاب عن جماعة الإخوان المسلمين ويمجدون أعمالها، وشق ثان يتهم خطاب علماء المملكة بالمسيس الهادف إلى تحقيق أغراض سياسية من وراء وصم جماعة الاخوان المسلمين بالإرهاب، ويطلب منهم النأي بأنفسهم من الدخول في مهاترات مع الأحزاب والجماعات، وأن يلتزموا الخط التقليدي للفقهاء بدون الخوض في ما لا عائد منه. وهذا ليس بمستغربٍ على أعضاء ما يسمى بالهيئة العليا للرابطة فهم يقفون في صف المناكف لموقف علماء المملكة الحازم من الإرهاب والتطرف ومن الجماعات الحركية المنتسبة للإسلام المتخذة من الدين والجماهير طريقًا للسلطة والحكم، فمواقف الرابطة عبارة عن ردود أفعال أتت بعد موقف هيئة كبار علماء المملكة المعلن من الاتحادات التي تصف نفسها على أنها علمية، وهي بالأساس قامت على أيديولوجيا حزبية وأغراض سياسية لا تمت للعلم والعلماء بصلة، وهذا الموقف المتأزم من علماء المملكة يُعيدنا بالذاكرة إلى رسالة أبو محمد المقدسي -أحد منظري القاعدة وداعش- لهيئة كبار العلماء بالمملكة إبان إدانة العلماء لحادث التفجير الأول بالعليا بمدينة الرياض سنة 1416هـ؛ حيث وصفت الرسالة العلماء بـ”علماء الضلال” رسالة: زل حمار العلم في الطين للمقدسي، ص1. ويعيدنا إلى زمن رسالة ابن لادن زعيم القاعدة في وصف أئمة الحرم الشريف (بالفساق وتضليل الأمة) ابن لادن قاهر الزمان، فارس الزهراني، ص483. إن هذه الهيئات والاتحادات العلمية وإن ادعت حرصها على ترابط الأمة إلا أن الواقع يعكس خلاف ذلك فلا تغدو كونها جزءًا لا يتجزأ من نسيج هذه الجماعات، لذلك فتصديها لخط الاعتدال والسماحة بالشجب والاستنكار هو ما يكشف هذه الصلة وهذه العلاقة، وهي كيانات مجرمة ومحظورة في الغالب حتى في بلد الكيان نفسه وذلك لما شاب أنشطتها ومصادر تمويلها من شبهات متعلقة بالإرهاب.
لا نكتم سرًا إذ نقول إن هذه الجماعات تنشط في بناء مشاريع نهضوية -حسب زعمها- فهي تسعى إلى تنصيب خليفة للمسلمين، وإقامة الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي، وتطبيق الشريعة بينما في مواقع أخرى يقولون بخلاف ذلك، وانخراطهم في العمل السياسي إنما ليحقق أحد أدوات مشاريع الجماعة في إعداد معارضة شعبية تتسع دائرتها مع الزمن؛ حتى تبلغ ذروة ما يسمى بروح الثورة وسيلتهم في ذلك التلاعب بعواطف الشعوب، وبث الفتاوى والبيانات الاحتجاجية ذات اللغة الثورية وتوسعهم في مفهوم التعبد لله؛ ليدخل فيه النضال في سبيل إقامة الحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة، ويصورون للجماهير أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بجهاد الظالم بأي نوع كان ولو فيه مخالفة لتعاليم الدين والشريعة، ولو كان فيه اقتحام للفتنة ومخالفة إجماع الأمة.
على شاكلة هذه الفتاوى “فتاوى الثورة” رد الداعية يوسف القرضاوي – مؤسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أحد الموقعين على بيان الرابطة آنف الذكر- على من يصف الثورات بأنها “خروج على الحكام” إن (تغيير الأنظمة في عصرنا يكون بثلاث وسائل: التغيير الديمقراطي، والتغيير العسكري، والثورة ..)- برنامج الشريعة والحياة قناة الجزيرة 10 ربيع الاول 1432هـ، بينما رأينا دفاعه عن الرئيس المخلوع “محمد مرسي” كيف حشد نصوص(طاعة ولي الأمر)، واستدل بها في سبيل حماية المخلوع ووجوب طاعته وتجريم الخروج عليه. والفتوى الأخرى لأحد دعاة الثورات محمد الحسن الددو رئيس مركز تكوين العلماء أحد الموقعين على البيان يقول: (إن نصوص الشريعة في “طاعة ولي الأمر” إنما هي في ولي الأمر الشرعي الذي يحكم بشرع الله) أما حكام اليوم (فلا يطبق أحدهم شرع الله .. ويجب الخروج على الظالم ..) برنامج: مفاهيم “حوار مع الشباب”– قناة فور شباب.
فلا غرابة إذن أن نرى من يقع في شرك هذه الفتاوى، ويقع ضحية صراع الثورات ودوائر الاقتتال بين الإخوة بعضهم البعض في الوطن الواحد، فيصبحون عندئذ أهدافًا سهلة للجماعة ولقمًا سائغة، ووقودًا ثائرًا بأيدي دعاة الفتنة فهم يأتون الناس من باب عظيم باب الشريعة. وقد أجاب العلامة ابن عثيمين-رحمه الله- عن هذه الضلالات وهي قول قديم يتجدد مع تجدد الأحداث والأزمنة بما نصه: (وأما قول بعض السفهاء: أنه لا تجب علينا طاعة ولاة الأمور إلا إذا استقاموا استقامة تامة! فهذا خطأ، وهذا غلط، وهذا ليس من الشرع في شيء، بل هذا مذهب الخوارج الذين يريدون من ولاة الأمور أن يستقيموا على أمر الله في كل شيء..) شرح رياض الصالحين 4/517، وهذه الفتاوى الثورية والأقوال الفوضوية تقوض إجماع الأمة بحرمة الخروج على الإمام حتى وإن كان جائرًا فكيف بالعادل والصالح!! قال أبو الحسن الأشعري –رحمه الله-: (وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين، وعلى كل من ولي شيئًا من أمورهم عن رضى أو غلبة، وامتدت طاعته – من بر وفاجر- لا يلزم الخروج بالسيف جار أو عدل) رسالة أهل الثغر 297. وقال الإمام النووي –رحمه الله-: (وأما الخروج عليهم وقتالهم؛ فحرام بإجماع المسلمين- وإن كانوا فسقة ظالمين- وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته) شرح صحيح مسلم 12/ 432. فما أشبه الليلة بالبارحة!!!.
——————————
دكتوراة في الشريعة والقانون
‏DrAalsh17ihri@

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى