المقالات

ذا…كرة جيل!

عرفت مارادونا في ذروة حضوره آنذاك وكان وحده يقابل ترسانة من فلاسفة المنتخب البرازيلي يتقدّمهم سقراط ذو الشعر الكثيف واللحية الفلسفية. تطوّر سقراط لاحقا فصار بلاتيني الفرنسي، وبموهبة أقلّ، تمهيدا لخروج الظاهرة زيدان الذي يأكل ويشرب الكرة بقدميه دون أن تشعر بعثرة ولاركاكة في تجاوز اللاعبين، وإنما الأناقة في التمرير والعزف.

في سياق هؤلاء الأساطير يمكن عدّ مارادونا اللاعب الأسطوري الأوّل في كرة القدم، مهارة وقوة وركضا، وانغراسا وثباتا على الأرض، لاعب كأنما خُلِقَ ليكون نموذجا في هذه اللعبة التي لا تشبه سواه، ومع تقديري لعشاق بيليه البرازيلي، إلا أنّ مارادونا يتفوّق عليه في أنّه منتخب بأكمله، فهو من هذه الناحية شبيه بزيدان في فرنسا الذي لا يزال مكانه شاغرا في الكرة العالمية.

هؤلاء العمالقة الافذاذ لا تتجاوزهم كرة القدم بكل تقنياتها وخططها الجديدة، لأنهم يمثّلون الفن الكروي، والفن بطبيعته خارج حسابات الزمن، لا يجري عليه ما يجري على الوسائل التي تتطور، لارتباط ملكة الفن بالإنسان الذي يزداد عمقا كلّما تكثّف داخل ذاته، ومارادونا في صيغته الرياضية وبنيته الجسدية هو اللاعب الأمثل في كثافته ومهاراته التي لا تزال تلهم اللاعبين وما زالوا يستمدّون منه وقودهم.

وبما أننا في سياق اللاعب الأسطوري الملهم فإن مما يلفت في رياضتنا المحلية ما يمكن تسميته بالإسهال الأسطوري والاستسهال لهذه المفردة التي تعني في سياقها المجتلبة منه وإليه الغرائبية وخرق العادة، ولا أظنها تنطبق مجازا إلا على قلة نادرة من اللاعبين الذين جمعوا مواهب فارقة وخارقة لمألوف اللاعبين في وسطهم الرياضي، ففي الرياضة العالمية يقف مارادونا وبيليه وزيدان، من وجهة نظري، كأبرز ممثّليها بتنوّع يجعل لكل لاعب منهم طبيعته الخاصة والساحرة في صناعة نموذج مختلف يسير عليه اللاحقون، فنموذج بيليه، مثلا، له مساره التاريخي الذي تعاقبت عليه مواهب تسير على حذوه ربما كان من أبرزهم رونالدو الظاهرة، ونموذج زيدان له مريدوه والسائرون في ركابه أبرزهم انستا لاعب برشلونة السابق، أما مارادونا فنموذج فريد ينتظم فيه ميسي الذي قصر دونه رغم موهبته ورغم أنّه أشبه اللاعبين به، وهو الباقي منه في ملاعب كرة القدم، لكني رغم أن الجمهور الجديد يراهن كثيرا على ميسي لا أراه إلا صورة غير مكتملة الملامح مما كان عليه مارادونا من مواهب اجتمعت في لاعب من الصعب تكراره في تاريخ كرة القدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى