تعتبر محافظة الليث إحدى محافظات منطقة مكة المكرمة، ويعود سبب تسميتها بهذا الاسم إلى وادي الليث الذي تقع عند مصبه عند التقاء جبال الحجاز بسهول تهامة، وقد ذكرها ياقوت الحموي” الليث”: علم مرتجل لا أعرف له في النكرات أصلًا كما جاء في لسان العرب (الليث الشدة والقوة، والليث الأسد، والليث الشجاع) وقد ورد اسمها في الشعر الجاهلي ومراجع عدة منها ما ورد في شعر غاسل بن غزية الجربي:
ارجع حتى تشجعوا أويشاح بكم… أو تهبطوا الليث إن لم يعدنا لدد
وقال الشاعر ساعدة الهذلي:
مستأرضا بين بطن الليث أيمنه إلى
شمنيصر غيث.ا مرسلا معجًا
وهي من أقدم المدن التهامية، تشغل مساحتها نحو ثلاثين ألف كيلو متر مربع تقريبا، ويبلغ عدد سكانها نحو 90.3 ألف نسمة طبقاً لتقديرات الةستشاري لعام 1435 هـ موزعين بين الحواضر، والقرى الجبلية، والساحلية، والهجر، والليث مدينة ساحلية تطل على البحر الأحمر تحتل بموقعها بعدًا استراتيجيًّا إذ تعد بوابة مكة المكرمة الجنوبية، ومحطة وميقات حجاج بيت الله الحرام وكانت ميناءً تجاريًا قديمًا يستقبل الحجاج والبضائع، ويذكر بعض المؤرخين أن سيف بن يزن أبحر منها إلى القسطنطينية، والليث بمظاهرها وتضاريسها ومناخها المتنوع البديع وبيئاتها البكر المختلفة ما بين بحرية وسهلية وجبلية، فقد اودع الله فيها من مظاهر الجمال والسحر الراحة فهي مشتى ومصيف، ومن أبرز مظاهر السطح التي تميزها السهل الساحلي الممتد والخبوت والسبخات وتعد سبخت الليث من أشهر واوسع السبخات الموجودة مساحة، كما تشرف حوافها الشرقية على مرتفعات وجبال السروات الشاهقة وهي تمتلك مساحات طويلة من الشواطئ الساحرة البكر التي لا يختبئ فيها الجمال، بها العديد من الجزر الطبيعية أشهرها جزيرة جبل الليث وشريفة ودعامة وسلاب وغيرها. وتكثر بها مصادر المياه؛ حيث تتنوع بين المياه السطحية والجوفية والينابيع، وتشتهر الليث بينابيعها الحارة التي تعتبر مزارًا سياحيًّا وعلاجيًّا، كما تتنوع بها ألوان الحياة الفطرية وتتميز بوجود أماكن للصيد كصيد الصقور وغيرها، وتعتبر الليث ثروة زراعية قديمة، يذكر الفاسي في كتاب العقد الثمين في القرن التاسع “بأن أمير مكة كانت على الليث مائتا غرارة مكية”، وتشتهر بمنتوجات الزراعة المطرية ومحاصيل الحبوب؛ الذرة والدخن و السمسم إضافة إلى المحصول الأشهر وهو محصول الحبحب الذي يزرع عثريًّا، ويقام له المهرجان سنويًّا بالإضافة إلى الثروة الحيوانية والسمكية، وتنتشر فيها الكثير من أنواع الأشجار المختلفة كأشجار الظل والأراك والسدر والأثل، والدوم وغيرها.
وأما عن جغرافيتها البشرية والسكان فمن أقدم القبائل التي استوطنت الليث قبل الإسلام ثمود من العرب البائدة لهم فيها رسوم ونقوش، بني ثابر من العرب العاربة، وخزاعة، كنانة القبيلة الكبرى التى حلت تهامة منذ القدم وصاهلة هذيل، وبني فهم، وبني مالك، وقبيلة عضل بن الديش، ومحافظة الليث تتكون من مدينة الليث، ومن الحواضر والقرى والهجر التابعة لها، وقد استوطن مدينة الليث عدد من العوائل والقبائل منهم آل الزبدة، والقرامطة، ومزينة، وبعض الحضارم الذين قدموا للتجارة، ومن أبرز القبائل التي تسكن محافظة الليث وما حولها: قبائل الأشراف ومنهم الأشراف ذوي حسن الذين هاجروا من مكة إليها بأسباب متعددة ومعلومة سنة 866 منهم آل مهدي ومنهم المدانية ، المناديل، الصواملة، آل علي، آل خمجان، النعرة، البراكيت، العيافي، القواسمة، الصعوب، آل محيي الدين، الثعالبة ، الصمدان، الشنابرة، آل الحسن بن أحمد، آل الخرد، الحواتمة، المجايشة، آل سبع، آل هلمان وقبيلة كنانة ومنها: الجحادلة، الجبرة، رحمان، الزنابحة، عضل، قبيلة بني مالك ومنها: بجالة بني هلال.، قبيلة هذيل ومنها: المساعيد، قبيلة فهم، قبيلة حرب ومنها: المحاورة، الحمرة، الخواوير، آل عيسى، مزينة، قبيلة ثقيف ومنها بني يزيد، قبيلة عتيبة، ومنها: الحراتيم، الكراسية
قبيلة زهران ومنها: آل السني وآل قارز والبيجاني وآل عزيزة وغيرهم، وهم أحلاف زهران
تعتبر محافظة الليث من أقدم مناطق الحضارة التي شهدتها الجزيرة العربية، ودل على الاستيطان بها وجود الكثير من دلائل الاستقرار والتعيش البشري وتضم أكثر من مئة بلدة وقرية وهجرة، وقد وردت غالبية أسماء تلك المواضع في كتب السير، والتاريخ، والتراجم، والرحالة، وحفل بها الشعراء وخاصة الشعر الجاهلي وذكرها أبو دهبل الجمحي وغيره نذكرمنها:
غُميقة شرق الليث بلدة خصبة بها آثار وبركة أثرية على طريق القوافل، الشواق الشامية واليمانية وكانت تعرف بالصهوة قديما، الوسقة وكانت تسمى خبت البزواء، حفار يسكنها الصمدان، وكانت تعرف بخبت أﺫﻥ أو ﺑﺤﻤﺮ أﺫﻥ، سلم الزواهر وتقع على ساحل البحر، طفيل، وشامة وهما الموضعان اللتان اشتاق لرؤيتهما بلال رضي الله عنه وقال:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً
بــــواد حوله أذخر وجليل
وهل أردنّ يومــًا مياه مجنة
وهل يبــــدو لي شامة وطفيل
ومركوب وسعياء، ذكرها البكري موضع في ديار هذيل، قالت جنوب أخت عمرو ذي الكلب الهذلي ترثية حين قتل:
أبلغ بني كاهلٍ عني مغلغلةً والقوم من دونهم سعيًا ومركوب، المجيرمة، جمعة بني هلال، وتقع بالقرب من جبل عفف الشهير، يلملم ميقات أهل اليمن قال: الهمداني يلملم ميقات أهل تهامة قال الشاعر الجاهلي طفيل الغنوي:
وسلهبة تنضو الجياد كأنها
رادة تدلت من فروع يلملم
والسعدية اسم أطلق قديمًا على أحد الأبيار، والمستنقع، والغالة والحبقة، وقفيلان والماء الحار وبها عين الماء الحار، سلبة وتسكنها قبيلة بني يزيد، جدم: وتسكنها قبائل فهم، وعيار، والبلهاء،
أضم: كانت تابعة لليث وصدر مرسوم ملكي في عام 1433 هجري يقضي بتحويلها إلى محافظة مستقلة، ويتبعها سوق العين والجائزة والمرقبان، ووادي حقال، وتضم الليث الكثير من الأودية المتناثرة و الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة ومن أشهر أوديتها وادي الليث؛ وهو من أكبر الأودية في الجزيرة العربية، وادٍ فحل كثير القرى والزروع ينحدر من السراة ليصب في البحر الأحمر وترفده أودية كثيرة.
وادي حلية التاريخي: شهد أحد أيام العرب يقول الشاعر سويد بن جدعة:
ونحن أزحنا ثابرًا عن بلادهم
بحلية أغنام ونحن أسودها
وادي عليب: وهو وادٍ مشترك يضم الكثير من الأماكن التاريخية والمواضع والقرى، وادي جذم: وادٍ عظيم من أودية فهم يصب في الليث قال فيه قيس بن العيزر الهذلي يخاطب تأبط شرًا “وأخبروني أبو المضلل أنها …قفا جذم يهدي السباع زفيرها”، وادي عيار: وهي هضبة في ديار الأوس من الحجر وكان فيه يوم بين غامد وأوس بن الحجر من الهنو فوجدت غامد خمسين رجلًا من الأوس في حصار فأحرقوهم في هبّة يقال لها عيار، وجاءت أعيار في قول الشاعر الغامدي:
لها بين أعيار إلى البرك مربع
ودار ومنها بالقفا متصيف
وادي سلبة: وجاء ذكر وادي سلبة في الحديث جاء هلال (أحد بني متعان) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم –بعشور نحل له وكان قد سأله أن يحمي له وادبًا، يقال له سَلبة فحمى له ذلك الوادي.
وادي تشبع :وادٍ عظيم يأتي من جهة يلملم.
كما تضم محافظة الليث مجموعة من الجبال الشاهقة منها جبل عفف وجلجل، أمول، ورادعة، لاحة، سودة، الحمر، شعار، جودة.
كما تعد الليث من ضمن أهم المناطق الأثرية في المملكة، والتي حوت وفرة من الآثار التي تنوعت بين الكتابات والنقوش والادوات التي تعود إلى العصور الحجرية القديمة، ومن أشهر المعالم الأثرية فيها مدينة السرين الأثرية: وهي فرضة السروات” ميناء السروات”، وكانت مدينة بحرية عظيمة بسوقها وجامعها وحصانتها، وعرفت كمخلاف فقد توالى عليها عدد من الأمراء، وكان فيها ميناء ذو أهمية كبيرة لكونه على الطريق بين اليمن والحجاز برًا وبحرًا، تركت كثيرًا من الآثار، والنقوش الشاهدية.
حمدانة : بئر أثرية قديمة تقع في وادي عليب عثر في محيطها على مجموعة من النقوش على شواهد القبور وعدد من الآثار،
وفي الوقت الحالي تشهد محافظة الليث نهضة عصرية حديثة في مجالات عدة وتصنف من الناحية الإدارية كمحافظة من الفئة ( أ )، وتتكون من (١٢) مركز إداري، خمسة مراكز فئة (أ) هي: الشواق، غميقة، مجمع الطرق، السعدية،يلملم، وسبعة مراكز فئة (ب) هي: سعيا، جذم، بني يزيد، حفار، الرهوة، صلاق، المجيرمة، بالإضافة إلى النطاق الإشرافي لمدينة الليث، وهي غنية بمواردها الطبيعة والسياحية، وتزخر بالكثير من مقومات التنمية وفرص الاستثمارات، والتي من أهمها مشاريع المجموعة الوطنية للاستزراع المائي بمحافظة الليث من أهم وأكبر المشروعات في المملكة والمزارع البحرية على مستوى العالم بمساحة قدرها حوالي 250 كم2، وطاقة إنتاجية تصل سنويًّا إلى (100ألف) طن من المنتجات البحرية المتنوعة تصدر إلى أكثر من اثنين وثلاثين دولة حول العالم؛ إضافة إلى مصنع الأسمنت بطاقة إنتاجية تقدر بمليون وأربعمائة ألف طن سنويًّا، وغيره من المشاريع الحيوية.
وأخيرًا؛ فقد سعدت بزيارتي وصحبة مجموعة ضمت رجال أعمال بارزين ومؤرخين، ومستشارين ومسؤولين في الإدارات الحكومية بدعوة كريمة من محافظ الليث سعادة الأستاذ عمران الزهراني؛ فقد أدهشتنا حفاوة اللقاء وطيب الصحبة، واطلعنا بشغف على مشروعات واعدة بنمو الاقتصاد، وما يترتب على ذلك من توفير فرص عمل كثيرة للشباب، وكذلك ما يؤكد الحفاظ على البعد القيمي، والمحافظة على البيئة والتراث برزيتنا لبعض المواقع الثرية والتاريخية، وهذا كله ينطلق من رؤى عامة لحكومتنا الرشيدة التي وضعت نصب عينها النهوض بهذا الوطن العزيز، بداية من البعد التعليمي والنهضة العمرانية والطور التكنولوجي، في سائر مؤسسات الدولة لمحًا، وشهدنا ما نعتز به ونفتخر ويمكن لنا القول إن ما وقع من نهضة عامة خلال عشر سنوات الماضية يفوق بكثير حد المأمول والمتوقع.