أحمد حلبي

إنهن موظفات ولسن مطوفات

نشرت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، عبر موقعها الإليكتروني خبرًا عن تعيين حوالي (50) فتاة سعودية لخدمة المعتمرات وقاصدات المسجد الحرام، والواضح أن من صاغ الخبر أخطأ في إيراد مسمى “مطوفة”، وهو مالم تشر إليه أيٌّ من الأخوات اللواتي تحدثن للمحرر.

وقد أثار المسمى حفيظ البعض؛ خاصة المطوفات الوارثات لمهنة الطوافة عن آبائهن وأجدادهن منذ مئات السنين.
وكلمة “مطوف” تطلق على من يقوم بتطويف الحجاج والمعتمرين داخل المسجد الحرام، ولمن يتولى خدمة الحجاج القادمين من خارج المملكة، والطوافة كمهنة لها تاريخها الطويل ونظمها وقوانينها، فقد أوردت الدكتورة عواطف بنت محمد بن يوسف نواب في بحث لها بعنوان “الطوافة منذ بداية القرن الثاني عشر الهجري إلى بداية العهد السعودي”، رواية نقلها القاسم بن يوسف التجيبي السبتي في كتابه مستفاد الرحلة والاغتراب، تحقيق عبد الحفيظ منصور، عن قول الرحالة ابن رشيد الذي حج عام (683 هـ / 1284 م) “إن أهل مكة المشرفة وأطفالهم يستقبلون الحجاج ويتعلقون بهم، لتعليمهم المناسك، فهم دربوا صبيانهم على ذلك، فيلقنون الحجاج الأدعية والأذكار”، وكان الرحالة التجيبي قد أشار إلى وجودهم كذلك؛ حيث كان قد قدم بعد عام (696هـ / 1296م)، وقال “وهي عادة مستمرة فيهم”، ويعني ذلك أنها كانت موجودة قبل ذلك، وكان قد أضاف عنصرًا جديدًا؛ حيث ذكر سدانة البيت الحرام، وقال إن مهمتهم هي مساعدة الحجاج على الطواف مقابل أجر؛ حيث كانت هذه إشارة إلى وجود المطوفين، منذ نحو (759) عامًا، ومارسها متخصصون بها، ولم يظهر أي دور للمرأة فيها سوى وراثتها لها من أبيها.

وقد حرص قادة المملكة منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ ، على احترام قواعد المطوفين، وورد في مذكرة من الملك عبدالعزيز إلى الأمير فيصل بن عبدالعزيز، الذي كان نائبًا لجلالة الملك في الحجاز، حول التحكم حسب قواعد المطوفين، إذ قال الملك عبدالعزيز ـ يرحمه الله ” … إذا كان لهم ـ أي المطوفين ـ قواعد فتكون حسب قواعدهم المعتادة فقط عليكم أن تتحققون (هكذا) إذا كان لهم قواعد معتادة فيكون السير عليها .. “.
وتعتمد مهنة الطوافة في مرجعيتها كما هو معلوم على “العوائد والأعراف”، وهذه الأعراف تعتمد على ثلاثة أمور في صياغتها، وهي:
أولًا: الأوامر العليا الكريمة (الأوامر العليا الكريمة: وهي التي تكون مصدرها ولي الأمر، وهي إما أن تكون مصادفة محلها بمعنى أن تكون موافقة ومتماثلة للقواعد والسوالف، أم لم تكن مصادفة، وهذه مدة العمل بها مؤقتة.

ثانيًّا: القواعد هي الأصول التي تجرى عليها المهنة بالاتفاق، القواعد جمع قاعدة: وهي إجماع شيخ الطائفة وكبار مطوفيه المعتد برأيهم في شؤون الطائفة، على قرار أو حكم أو موضوع لم يسبق إعطاء القرار أو الحكم مثله في قضية، فإن نفذ هذا الحكم بعد موافقة ولي الأمر، أصبح قاعدة وأصلًا من الأصول.

ثالثًا: السوالف هي السوابق والعرف (السوالف جمع سالفة): وهو حكم أو قرار يكون بالإجماع سبق وحكم به على قضية أو موضوع مشابه، ويكون قد نفذ رسميًّا.
والأخوات اللواتي تم تعيينهن لسن مطوفات، لغياب شروط الطوافة عنهن، وهن موظفات عيين للعمل على “مرافقة كبيرات السن من المعتمرات وإرشادهن للأماكن داخل المسجد الحرام، وقيادة العربات الكهربائية التي خصصتها الرئاسة”، ولا يمكن وصفهن بالمطوفات، ولا ينبغي أن تطلق عليهن كلمة “مطوفة”؛ لأنهن لم يقمن بدور تطويف الحجاج والمعتمرين حول الكعبة، ولَم يرثن المهنة، ومن قرأ الخبر الصحفي المنشور بموقع
الرئاسة يلحظ أنهن لم يشرن إلى قيامهن بعمل التطويف، ولَم يقلن إنهن مطوفات، وهذا يعني سقوط المسمى عنهن، وأشرن فقط إلى قيامهن بدور خدمة المعتمرات، وقاصدات المسجد الحرام.

أحمد صالح حلبي

كاتب مهتم بشؤون الحج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى