نلاحظ أن مصطلح الضبط الاجتماعي Social control يشوبه الكثير من الخلط والغموض بسبب تعدد الباحثين، واختلاف مداخلهم لدراسته، وعدم اتفاقهم على تعريف واضح محدد له. وهذا راجع لتعدد منظورات الدراسة في مجال الضبط الاجتماعي، وقد تناوله البعض باعتباره آليات تؤدي إلى التوافق والسيطرة على الانحراف للوصول إلى تحقيق توازن النسق، وقد تناوله البعض الآخر على أنه عامل مؤثر في السلوك، بينما تناوله البعض الآخر انطلاقًا من الطبيعة البشرية التي تتطلب أنواعًا معينة من أساليب الضبط الاجتماعي.
وسوف أتناول الآن مجموعة من التعاريف عن الضبط الاجتماعي، في محاولة للوصول إلى رؤية واضحة لهذه الظاهرة الاجتماعية المعروفة بالضبط الاجتماعي.
ويرى “ابن خلدون” أن الضبط الاجتماعي ظاهرة ملزمة بالنسبة للمجتمع، وينظر إليه نظرة نفسية، فهو يراه لازمًا للحياة، وهو نتاج للحياة الطبيعية الإنسانية التي هى بحاجة إلى من يضبط سلوكها. ويشير “أدى” أن الضبط إما أن يكون خارجيًّا يتحقق عن طريق القانون، وإما داخليًّا يتحقق عن طريق الدين، وإما أن يكون اختياريًّا يأتي عن طريق الضمير.
ويعرف “بوتومور” Bottomore الضبط الاجتماعي بأنه مجموعة من القيم والمعايير التي من خلالها وبواسطتها يمكن تصفية التوترات والصراعات التي تحدث بين الأفراد في المجتمع حتى يمكن تحقيق التماسك بين الجماعات، وتسهيل إجراءات التواصل بينها.
ويرى “أندرسون” Anderson أن الضبط الاجتماعي هو نوع من أنواع السلوك الاجتماعي التي تؤثر في الأفراد أو الجماعات، وتوجههم نحو الامتثال للمعايير القائمة المرغوبة.
وأشارت “سلوى الخطيب” بتعريف الضبط الاجتماعي بأنه العملية التي يتم بمقتضاها استخدام كافة الوسائل لحث الأفراد على ممارسة القيم والمعايير الاجتماعية التي اكتسبوها من خلال عملية التنشئة الاجتماعية؛ وذلك بالمدح أو التشجيع أو المكافآت، أو من خلال النهي أو الجزاء أو العقاب.
ويمكننا أن نقول إن الضبط الاجتماعي هو أسلوب وقاية وابتعاد عن الانحراف، كما أنه يعمل على انصياع أفراد المجتمع للأشياء المتفق عليها اجتماعيًّا، وهكذا يمكننا القول إن الضبط الاجتماعي يعمل على تثبيت القيم الاجتماعية، وحث الأفراد على التمسك بها.
وأود أن أشير هنا أن الضبط الاجتماعي الذي يقرره الدين الإسلامي يتميز بخصائص فريدة عن تلك الضوابط التي توجد في بعض الشرائع. فالتشريع الإسلامي يستمد سلطته من الله سبحانه وتعالى، ويعتمد في سلطته وضوابطه على وازع الضمير الذي ينشأ داخل النفس الإنسانية، ويعمل كموجه للإنسان في تصرفاته، فيكون الضمير على يقظة في جميع الأوقات بأنه مراقب من الله -عز وجل- في السر والعلن.
وقرر الإسلام ثلاثة ضوابط اجتماعية يشكل مجموعها منهجًا متكاملًا لحياة آمنة مستقرة لجميع أفراد المجتمع، فهناك ضابط ذاتي مصدره داخل النفس الإنسانية، أما الضابط الثاني فهو ضابط اجتماعي مصدره المجتمع، أما الضابط الثالث فهو ضابط السلطة حين تتولى تطبيق العقوبات الشريعة المقررة لأنواع المخالفات.
قال تعالى: (يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ)
جعلنا الله من المستقمين الذين يخافون الله، ويتبعون أوامره، ويبتعدون عن الحرام.
0