متخبط، مستعجل، متقلب يُبدي رأيه في موقف هام على عجل، ثم يناقضه بعد وقت ليس بالبعيد برأي أخبرته به مسبقاً. لايعتذر عن مخالفة رأيه لأجل مخالفة الرأي فقط، ولايعتذر لعجلته القاتلة. يعتقد أنه يفهم كل شيء، وأنه يدرك الكثير مما لا يدركه الآخرون. لا يعرف في حياته التمهل، ولا التأني، ولا التريث. تناقشه يوماً في فكرة متعوب عليها أخذت من الجهد، والوقت الكثير ولكن وقبل أن تكمل تفاصيل فكرتك يقاطعك برأي آخر غريب ليس فيه حكمة، ولامنطق، ولا تقول حينها من ألم الحزن والتعاسة في صدرك إلا: “اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها “. وتدع الأيام تأخذ دورتها؛ لتثبت في الوقت المناسب أن تفكيره لايتجاوز حدود آخر أنفه، ولا حدود اللحظة، وفكرته فاشلة. مُتعب، مُرهق، مُشاكس على غير بصيرة. الأقدارساقته، والظروف أوجدته، والأقدام جرته، وحقيقة مصائب الآخرين خدمته فكانت عنده فوائد جمة، وعند غيره مآسي مؤلمة. سيكون الصبر عليه، والصبر معه، والصبر مابين الحالين حكمه واجب لا مستحب فمثله موجود، ومثله عبرة، ومثله لابد أن يُتعظ منه، ومن تصرفاته حتى “يحدث الله بعد ذلك أمرا”.
تناجي نفسك مرة، وترفع صوتك مرة أخرى، وتطلق معهما كل أدوات الاستفهام ومصطحبا أدوات التعجب أيضاً؛ لتسأل نفسك بألم كيف ظهر هذا المخلوق المتقلب فجأة في جنبات مسرح الحياة العملي بعد أن كان في كواليسها لاحول له ولا قوة!؟ وكيف تبدلت مفاهيم الأحداث سريعاً لصالحه هكذا؟ فبالأمس القريب كان ذلك الإنسان الذي سبقه في المكان، ويشار له بالبنان؛ لما أحدثه من تقدم واضح في خطواته الطموحة، ومن وثبة عالية في آماله الكبيرة ..وهذا بفضل رؤيته العظيمة، وهمته القوية، و المكانة اللائقة بمثله وللأسف لم نكن نعرف حينها حجم تطلعاته، ومقدار إنجازاته، وكان الاختلاف معه باستمرار. فأصبح الآن نعمة عظيمة نأمل أن تعود مجدداً ولكن من المستحيل العودة، بل ومن الحماقة مجرد التفكير بها ..! فالزمن لايعود أبدا إلى الخلف، والعمر لاينتظر، والفرص لاتتكرر. ومايمكن الآن عمله فقط هو مجرد استرجاع الذكرى الغالية لاسمه ورسمه “فلا ينبغي أن نبكي على اللبن المسكوب” ولا أن نطيل التفكير فيما مضى فالقادم أجمل. وفعلاً بالشكر، والحمد تزداد النعم. وما أكثر العبر وما أقل الاعتبار. وأنت أيها المتخبط المتقلب فسيأتي زمان ونقول عنك وبلا أسف: ” كأنه مر من هنا” .