يقول المثل: “زوِّجوا مشكاح لريمة ما على الاتنين من قيمة”!!
فعلى قدر ما يثير فيَّ المثل من الضَّحك والسخرية والتفكُّه بما يملأ مسرحًا من مسارح “تشارلي تشابلن”، أو “عادل إمام”، على قدر ما يؤلمني أشد الألم، أشبه بآلام وأوجاع أمثال “ليف يوشكين” في رواية “الأبله” لـ”دوستو يفسكي”، أو “جريجور سامسا” في رواية “المسخ” لصاحبها “فرانز كافكا”.
إنَّ بعض “الجهات” عندنا تقع في خطأ التفكير، وخطأ الفهم، وخطأ التقدير، وخطأ الباعث، وخطأ الغاية.
وهذه الأخطاء التي أعنيها هنا أخطاء إعلامية.
فمع توافر أدوات التواصل الاجتماعي، وتعدد منصات الاتصال، ووسائل الشبكات المتنوِّعة، إلاَّ أنَّ هذه الأدوات والوسائل باتت في كثير من الأحايين خصمًا عليها في كل ما يصدر عنها من بثوث إعلامية، ومواد صحفية.
فحسابات كتويتر، والانستقرام، والفيس بوك، والسناب، كلها -في الجملة- حصيلة ما نشهده من تقدُّم متسارع في وسائل التكنولوجيا الحديثة، وثمرة عقول ممتازة؛ فكرت واجتهدت، فعملت، ثم أنتجت، وربما عاجلاً تصبح تلك الأدوات ممَّا تقادم عهده، وبار (وطره)..!
إنَّ العبرة ليست في التسابق على إنشاء تلك الأدوات، والتباري في النشر فيها ومن خلالها، فهي سهلة الإنشاء والتكوين، كما أنها سهلة التناول والمعالجة.. فأطفالنا الصغار الذين لم يبلغوا الحلم بعد يملكون الإمكانات الممتازة للتعامل معها، والإجادة في استخدامها وحُسن الاتصال بها معها كأجمل ما تكون الإجادة والاتصال، وأفضل ما يكون الحسن والأبَّهة.
فالصحيح تمامًا، أن التعاطي مع هذه الأدوات واجب يمليه فرض العمل، وتحكمه فريضة المصداقية ولزوم الشفافية، كما يمليه واجب الاعتزاز والفخار بمنجز يستحق الحضور والبروز أمام الجمهور المستهدف.
فإذا قلنا بالصحيح التام..
فهناك -في المقابل- الخطأ التام..!!
وأقول الخطأ، وأوكد بالتام؛ حينما توكل تلك الحسابات لمن لا يعرف الفرق ما بين التاء المربوطة والتاء المفتوحة، ناهيك عن معرفة الفارق ما بين الفاعل والمفعول، والمبتدأ والخبر، والجار والمجرور؛ فضلاً عن معرفة الفروق ما بين الحركات والعلامات الإعرابية في تشكيل المعنى ودلالة الجملة، وما يتبعها من سياقات إخبارية، وخبرية، وإعلامية تستجيش بحمولات المعاني والدلائل.
يا قوم..!!
لقد كثر الغثّ في بعض تلك الحسابات، حتى غدت مثخنة بلعب (البزران)، وتسابق (الخرفان)، وعبث (الصبيان) منذ أن قام عليها مَن لا يفقه قولاً، ولا يزن كلمة؛ ظنًّا أنَّ مَن مَلَك حسابًا في مواقع التواصل الاجتماعي وزيَّنه بالخبرات المزعومة، قد أصبح إعلاميًّا أو كاتبًا.
لقد كشفت مواقع التواصل الاجتماعي عن “أميّة” إعلامية مركَّبة، جمعت ما بين رداءة المحتوى، وضعف المعلومة، وركاكة الصياغة، وتهافت البناء، فضلاً عن خصيصة السَّطو مع سبق الإصرار والترصُّد، فـ”المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ”.
فإذا كان هناك ما يسمَّى بالشعر (السايب)، فهناك -أيضًا- ما يمكن تسميته بالإعلام السايب، خاصة حينما يجتمع فيه الادِّعاء الزائف، والجهل الفاضح، والرأي الهزيل.
إن بعض أصحابنا لا يعنيهم ممَّا يقولون ويسرقون تصحيح الأفهام مع إفلاسهم، ولا اختبار المنجز وإن وصل إليهم إلاَّ السعي نحو تحقيق مصالحهم، والوصول إلى أغراضهم، والترويج الباهت لأنفسهم، ولا أخالهم يفهمون معنى ما يقولون ساعة يقولون؛ لأن باعث القول عندهم غير الفهم وغير التفكير، وكلها بواعث مطمورة في “خفايا الشعور”.