الشريعة الإسلامية تسعى لتحقيق أهداف في حياة الناس، وهذا ما يسمى بمقاصد الشريعة، ومقاصد الشريعة منها ما يعرف بالكليات الخمس، وهذه الكليات تُوليها الشريعة الإسلامية اهتمامًا خاصًا وكبيرًا في حياة الإنسان؛ إذ إنها أهم ما يصلح به حال البشر، كحفظ النفس والمال وغيره، ويُطلق على ذلك اسم الكليّات الخمس، وهي “حفظ الدين، النفس، العقل، النسل، المال”، وهذه المقاصد منها مقاصد عامة وهي لعموم مصالح الناس، ومقاصد خاصة تسعى الشريعة إلى تحقيقها، ولكن في نطاق خاص من الحياة كنظام الأسرة أو المجتمع، ويدخل في هذا النطاق الأنظمة التي توضع لتحقيق المصالح أو لدفع المضار، ومن هذه الأنظمة نظام المرور.
وإذا نظرنا إلى نظام المرور، وما يحتويه من بنود إلزامية وجزائية؛ سواء كانت جزاءات مادية (الغرامات، أو المخالفات)، أو جزاءات معنوية (الحبس، أو المنع من السفر)، نجده يدور في هذا الاتجاه من الشريعة الإسلامية، لما لذلك من ردع، والأخذ على يد من يخالف هذه القواعد، ويتسبب في إلحاق الضرر بنفسه وبمجتمعه، وسن هذه الجزاءات وإيقاعها على المخالفين؛ له من الحق الذي أعطاه الشارع لولي الأمر، لتحقيق مقاصد الشريعة في المجتمع.
فرعاية قواعد المرور واحترامها أمر واجب شرعًا؛ لأنه يقوم على تحقيق المصالح ودفع المفاسد، ورعاية هذه القواعد يحقق السلامة من الأضرار، وهذا مقصد من مقاصد الشرع الحنيف، والالتزام بقواعد وأنظمة المرور وآدابه، والالتزام بها واجب على كل مسلم بل كل إنسان؛ لما يتحقق من مصالح للعباد، ويدفع ضررًا كبيرًا.
ويدخل نظام المرور في دائرة تحقيق أهداف الشريعة ومقاصدها من ثلاث جهات، من حيث هو طاعة لولي الأمر، وتحقيقه لمقصدين من مقاصد الشريعة من الكليات الخمس، ألا وهما حفظ النفس وحفظ المال.
فالتزام نظام المرور وقواعده طاعة لولي الأمر، وقد أمرنا الله تعالى بطاعته في غير معصية فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء/59)، وأيضًا محافظة على الأرواح من الهلاك، وقد نهانا الله عن قتل النفس أو فعل ما يؤدي إلى ذلك، والقيادة بسرعة وتهور، وعدم الالتزام بقواعد المرور تؤدي إلى القتل، وقد توعد الله تعالى فاعل ذلك فقال : (وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا ) (النساء : 29، 30 )، فالالتزام بقواعد المرور، خلق يوافق الأخلاق الحسنة التي أمر الله تعالى بها عباده المؤمنين في كتابه وعلى لسان رسوله فقال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمنِ الذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا) ( الفرقان :63 )، وقال على لسان لقمان الحكيم في وصيته لابنه (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) ( لقمان : 19 )، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم إبعاد ما يؤذي الناس في طرقاتهم، من شعب الإيمان، وقال صلى الله عليه وسلم : ” من آذى المسلمين في طرقهم، وجبت عليه لعنتهم ” رواه الطبراني، وحفظ المال مقصد من مقاصد الشريعة التي أوجبت علينا ذلك سواء من ناحية الكسب أو الانفاق، فعدم الالتزام بقواعد المرور بلا شك يؤدي إلى تلف المال وهلاكه وهذا يعتبر منافيًّا لمقاصد الشريعة الإسلامية، فكما يطالب الأفراد الدولة بتعبيد الطرق؛ حتى يتسنى لهم التحرك وقضاء حوائجهم بدون أضرار وخسائر، فيكون لزامًا على الدولة أيضًا سن الأنظمة ووضع إجراءات واتخاذ وسائل لتحقيق ذلك كتزويد الطرقات بكاميرات مراقبة، وتنظيم حركة السير، ووضع دوريات مراقبة لمن يخالف هذه الأنظمة، وذلك لتسهيل حركة الناس وتنقلهم والحفاظ على الأنفس والأموال، فتجنب وقوع حوادث السير، وبالتالي الحفاظ على أرواح الناس وسلامة أجسادهم من الأذى، وتقليل الخسائر الماديّة يحقق المقاصد التي تريد الشريعة الإسلامية تحقيقها.