علي ضيف الله الزهراني

الموت بين ابن ثامرة وابن جبران

ورد ذكر الموت على ألسنة الشعراء قديمًا وحديثًا، منهم من رثى نفسه وتصور حالته بعد الموت كمرثية مالك بن الريب المشهورة التي مطلعها:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا
ومن الشعراء من توقع عودة الحياة إليه بعد الموت لسبب ما فالشاعر توبة الحميري قال:
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت عليّ ودوني تربة وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدى من جانب القبر صائح
وقال آخر:
سقى الله أطلالًا بناحية الحمى وإن كن قد أبدين للناس ما بيا
منازل لو مرت بهن جنازتي لقال صداي: حامليّ أنزلانيا
قال ابن خُرمان:
وورد ذكر الموت والعودة للحياة على ألسنة الشعراء الشعبيين أيضًا، ولعلنا في هذين المثالين نلقي نظرة على قصيدتين على طرق (لحن) الجبل الشجي في شعر الشقر الجنوبي لشاعرين من كبار شعراء زهران رحمهما الله واللذين أبدعا في هذا اللون من القصائد وهما الشاعر (محمد بن ثامرة الثوابي الزهراني)، والشاعر (أحمد بن جبران الزهراني) فقد تمنى كلٌ منهما العودة من قبره، لكن لكل منهما هدف يختلف عن هدف الآخر.
ولنبدأ بقصيدة الشاعر ابن ثامرة:
قال الثوابي ليتني باموت مده
وايكون روحي ترده
هنا تمنى الشاعر الموت مدة محددة ليعود بعدها للحياة وبطريقته الخاصة
وازعزع اللحدين وارمي بالنصايب
وآخذ اكفاني عصايب
اختار الشاعر طريقة عنيفة للعودة؛ نظرًا لما عاصره الشاعر من حروب فهو سيعود من قبره بزعزة اللحد، ويرمي بما وضع عليه من الأحجار والتراب حتى نصائب القبر التي توضع للإشارة للقبر، ثم يربط من الكفن لباس وعصابة على الرأس، ولو تساءلنا لماذا كل هذا التمنى والعودة بهذه القوة لعرفنا من البيت الأخير السبب حيث يقول:
وآشوف من يضحك ومن يبكي عليه
قال ابن خرمان:
لعل هذا مما عاصره الشاعر ولمسه من جحود بعض الناس الذين كانوا يتوددون إليه في حياته، ويتمنى أن يكتشفهم على حقيقتهم.
..
أما قصيدة شاعر الحب والغزل الشاعر (أحمد بن جبران) فقد كان لها مسارٌ آخر؛ ولنبدأ في النظر للقصيدة:
قال أحمد أم جبران لو مازال مابي
لا بعث من تحت الترابي
كعادته في أغلب قصائده يبدأ ب(قال أحمد ام جبران ) وأم تعني بلغة المنطقة (ابن) ثم يقول لو مازال مابه من الحب لمحبوبته لينفض تراب القبر ويبعث منه بعد الموت؛ وذلك ثالث يوم من دفنه وبعد أن بدأ الدود يأكل من جثمانه؛ لأنه موعود بمقابلة الحبيبة
آقوم ثالث يوم بعد اشبعني الدود
وأقول ما الأصحاب موعود
ثم يعتذر الشاعر من قبره بقوله (تستورك : أي أستأذنك) فسيعود له ويبقى فيه زمنًا طويلًا فلا مانع أن يعود من القبر لأنه قد أعطى الحبيبة وعدًا، ولم يعتد على إخلاف الوعود خاصة وأن الحبيبة نصته، وألحت عليه عندما كان على قيد الحياة
يا قبر تستورك بعد فيك آتميدا
ما اقدر أخلف بالوعيدا
معك بعلم أهل المحبة لا نصوا حي
هكذا كان الشاعر المحب مثله ككل شعراء العشق فالمجنون يقول:
ولو شهدتني حين تحضر ميتتي جلا سكرات الموت عني كلامها
..
وهنا القصيدتان
الأولى:
قال الثوابي ليتني باموت مده
وايكون روحي ترده
وازعزع اللحدين وارمي بالنصايب
واخذ اكفاني عصايب
واشوف من يضحك ومن يبكي عليه
..
الثانية:
قال أحمد أم جبران لو ما زال ما بي
لابعث من تحت الترابي
أقوم ثالث يوم بعد اشبعني الدود
وأقول ما الأصحاب ماعود
يا قبر تستورك بعد فيك اتميدا
ما اقدر اخلف بالوعيدا
معك بعلم اهل المحبة لا نصوا حي
قال ابن خُرمان:
أتمنى أن أكون وفقت في هذا الموضوع وشرح القصيدتين وهدف الشاعرين من تمنيهما العودة من القبر بعد دفنهما.
رحم الله الشاعرين ووالدينا، ومن له حق علينا.

——————
الدمام

Related Articles

6 Comments

  1. وفيت وكفيت يا أبوحاتم

    كعادتك مبدع فيما تطرح من مشاركات ومقالات أدبية شعبية ممزوجة بالأصالة المتوارثة..

    قرأت المقالة حرفاً حرفاً ووجدت بها مكامن الإبداع بشتى صوره – الشعرية والنثرية..

    رحم الله الشاعرين (الثوابي – بن جبران) وبارك في عمرك يا رمز الوفاء والعطاء

    وهذه الباقة العطرية لك من جبل سيحان بدوس ?

  2. بيض الله وجهك أخي ألعميد علي بن خرمان على أهتمامك بالموروث والتعريف بقصائد شاعرين عملاقين من شعراء زهران ألعناصي جهود تشكر عليها وفقك الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button