د. عبدالله العساف

المنظمات الإنسانية من الداخل

قال صاحبي: اللعب على وتر حقوق الإنسان، أصبح ذريعة وستارًا تستخدمه بعض الدول والمنظمات التي تزعم أنها إنسانية، لتحقيق مآربها المتعددة والمتنوعة، بحسب الطلب من الدول الكبرى، أو ممن يمولها!! أو من بعض العاملين فيها!!، فكيف تعمل هذه المنظمات؟، من يمولها؟، هل هي حقًّا مستقلة؟، ما معاييرها؟ وكيف ومتى ولماذا تطبق؟ ما حقيقتها إذن؟
يتعرّض الإنسان في بعض مناطق العالم لصنوف العذاب، ولعل مسلمي الروهينجا مثلًا، أو التعامل السيئ كمنعه من حقوقه المادية لقاء ما يقوم به من أعمال، أو تشغيله في بيئة بالغة الخطورة، أو توظيف من هم دون السن القانونية المتفق عليها دوليًّا، أو معيشته في بيئة لا تتوفر بها الحدود الدنيا من متطلبات الحياة، وغيرها كثير، ولم نر أو نسمع أن المنظمات التي وضعت خلف اسمها كلمة الإنسان، ورفعت لواء الدفاع عنه، والمطالبة بحقوقه وتحسين أحواله، التفت إليه!!
الكيل بمكيالين هو سمة هذه المنظمات التي تزعم أنها مستقلة، فهي لم تتحدث عن انتهاكات الدول الكبرى التي ترفع راية الديموقراطية وحقوق الإنسان، فأصحاب السترات الصفراء أصبحوا كالمسلمين في نظر هذه المنظمات المشبوهة لا بواكي لهم!! واستمرار معاناة السود، منذ تولي أوباما، من الناحية الاقتصادية والتعليمية، وعدم حصولهم على جميع حقوقهم المدنية مقارنة بالبيض، لم تعلم عنها هذه المنظمات رغم تسليط الضوء إعلاميًّا عليها، وما صاحبها من احتجاجات لم تخف إلا على منظمات حقوق الإنسان المستقلة!!
كما غضت الطرف عن الممارسات غير الإنسانية التي يتعرّض لها الفلسطينيون، ولم تفتح ملفًا لحقوق الإنسان في إيران، الذي يُقتل فيها على اسمه، ولباسه، ولغته، ومعتقده ورأيه علنًا، دون محاكمة، لمجرد مطالبته بأبسط حقوقه! وغاب عن هذه المنظمات الإنسانية ما يتعرض له الإنسان في سوريا، وليبيا، ولم تعلم بتنفيذ أحكام الإعدام في أمريكا، والصين، ولعلي ألتمس لها العذر بأن هذه الدول لا تتعامل بشفافية ولا تصدر بيانات فورية تتلى على الملأ تعلن فيها تنفيذ الأحكام القضائية بحق الجناة، أقول ساخرًا ربما!!.
لم يعد خافيًّا على ذي بصيرة أن هذه المنظمات في حقيقتها أوكارًا لممارسة رذائل الأخلاق من خلال متاجرتها بحقوق الإنسان وتكسبها منها، وتحويلها لأدوات ضغط وابتزاز على دول بعينها، يختارها الزبون الذي يسدد لهذه المنظمات فاتورتها ويجزل لها العطاء، لتشويه سمعة دول، أو أفراد، كما أن من يدير هذه الأوكار أو يقف خلفها، حولها لوسيلة ابتزاز سياسي أو اقتصادي، من خلال إصدار التقارير المعلبة، والمسمومة، والموجهة.
فهذه المنظمات انقطعت عن الواقع، فأصبحت تتعامى عن خصوصية كل دولة، وأنظمتها الخاصة، والتي لا تتعارض مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، فلكل دولة نظامها القضائي، والأهم سيادتها، التي تمكنها من الحفاظ على أمنها، وتطبيق قوانينها المتسقة مع ثقافتها، وسياستها على الخارجين عن القانون، وهذه المنظمات عندما تصدر تقاريرها فهي لا تكلف نفسها بزيارة البلد المستهدف، وربما لا تعرف عنه سوى اسمه!!، وتعتمد على مصادر مجهولة مما ينشر على الشبكة العنكبوتية، دون التحقق من صحتها، أو الاعتماد على تقارير جاهزة معدة سابقًا من العميل، أو أصحاب المصالح الخفية، حتى غدت منظمات بلا مصداقية.

قلت لصاحبي:
الحقيقة التي لا بد من التركيز عليها، والاهتمام بها، والتي بات يلاحظها كل متتبع للشؤون العالمية أن هذه المنظمات تنشط في ساحات معينة وفي ظروف محددة، فقد أضحت حقوق الإنسان كمخلب القط للتدخل في شؤون الدول الأخرى والمساس بأمنها الداخلي.

Related Articles

One Comment

  1. “الحقيقة التي لا بد من التركيز عليها، والاهتمام بها، والتي بات يلاحظها كل متتبع للشؤون العالمية أن هذه المنظمات تنشط في ساحات معينة وفي ظروف محددة، فقد أضحت حقوق الإنسان كمخلب القط للتدخل في شؤون الدول الأخرى والمساس بأمنها الداخلي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button