لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم إحدى أهم المحطات التي يتوقف أمامها الناس، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، فقد أضحت المصدر الأول لجميع الناس بمختلف شرائحهم وأعمارهم وميولهم، كونها الوسيلة الأسهل لتشكيل آرائهم ومعتقداتهم، بل وحتى أخلاقياتهم ومبادئهم، وهنا تكمن أهميتها وخطورتها في ذات الوقت.
والحقيقة أن معظم مستخدمي هذه الوسائل والمتحكمين فيها، أو ما يطلق عليهم بمشاهير السوشال ميديا – ولا أقول كلهم – غالبًا ما يعمدون إلى بث مقاطع مستفزة ومخالفة لقيمنا وعاداتنا لسرعة انتشارها بين الناس، فبدلًا من أن تصبح مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي أدوات مفيدة، بات أكثرها – مع الأسف – أدوات لخداع الناس، وشوكة في ظهر المجتمع.
فكثيرًا ما يقوم مستخدمو هذه الوسائل بنشر مقاطع يبحثون من خلالها عن الشهرة والربح فقط، حتى لو كانت على حساب الإساءة إلى القيم والعادات والتقاليد، بل وفي بعض الأحيان قد يصل الأمر إلى التهجم على العقيدة والإساءة إلى الدين، والتلفظ بألفاظ نابية على المجتمع وبعض أفراده.
والمصيبة الكبرى، أن معظم هؤلاء «المشاهير» يجدون من يتابعهم ويحذو حذوهم، بل ويتخذهم قدوة، رغم أن معظم ما ينشرونه على صفحاتهم في مواقع التواصل من تفاصيل قد تكون غير صحيحة، وإنما لإيهام متابعيهم بما ينعمون فيه من ترف وما يعيشون فيه من بذخ – مما جعل كثيرًا من الشباب والفتيات يتمردون على حياتهم، ويشعرون بالإحباط، وبالتالي الوقوع في مشكلات أسرية واجتماعية كبرى، ولا تحمد عواقبها.
إن مقطع واحد قصير وبسيط يُسيء وينتهك الآداب والقيم، قد يؤثر على ملايين الشباب والمراهقين والأطفال أكثر من تأثير مليون موعظة في خطبة جمعة أو محاضرة، لذلك فمن حق المجتمع أن يحمي منظومة قيمه، فلكل مجتمع آداب عامة ومنظومة قيم وأخلاقيات يجب أن تراعى، ونحن لسنا حالة استثنائية، وبالتالي لابد من تهيئة المجتمع، وتحصينه لمراعاة هذه الآداب العامة.
ورغم أن الجهات المسؤولة لا تدخر جهدًا في محاسبة كل من يُسيء إلى المجتمع بأي شكل من الأشكال، والضرب بيدٍ من حديد، لكن يظل المجتمع نفسه هو الذي يجب أن يقف وقفة جادة تجاه هؤلاء، فنحن من نشهرهم، ونعظمهم مع الأسف.
إن الكثير من الشباب اليوم ربما يبحثون عن الشهرة أو عن ذاتهم في هذا الطريق، لاعتقادهم أنه الطريق السهل والقصير لتحقيق الربح المادي من خلال الشهرة، وهي قضية عالمية مهمة جدًّا يجب التنبه لها، ويجب أن لا تكون على حساب الأخلاق ومنظومة القيم، لذلك فيجب التوعية، وردع كل من يهدد قيمنا وأخلاقياتنا.
إن الأمر ليس بهينٍ على الإطلاق، فالإحصائيات الصادرة تؤكد قوة انتشار تلك التطبيقات، فاليوتيوب مثلًا يستخدمه أكثر من مليار شخص شهريًّا، ويحصد كل دقيقة أكثر من مليوني مشاهدة، وتويتر يستخدمه حوالي (400) مليون شخص شهريًّا، أما الإنستجرام الذي يعد المفضل لدى أكثر من 50% من المراهقين فيستخدمه أكثر من 800 مليون شخص شهريًّا، ناهيك عن الفيسبوك والسناب شات وغيرها، والتي يشكل الشباب والمراهقين معظم جمهورها.
ومن المهم ألا نكون مجحفين بحق مجتمعنا وشبابنا، فلا نقول إن الكل يقوم بهذه المهاترات والممارسات الخاطئة، فهناك عدد كبير من الشباب ولله الحمد على درجة عالية من القيم والأخلاق.. وشاهدنا مقاطع كثيرة جدًّا تنم عن أدب وزرع قيم وأخلاقيات وتوجيه نصائح ونشر فضائل وتعليم إيجابيات، ولكن للأسف القلة التي تنتهك القيم هم من يُسلط عليهم الضوء، ويحظون بالمتابعة، بل وهم من يُستقطبون من قبل وسائل الإعلام التي تتبناهم وتروج لهم، فللأسف هناك العديد من وسائل الإعلام الصفراء، وبعض المؤسسات المجتمعية، يعتقدون أن مثل هؤلاء المشاهير (التافهين) يشكلون مادة دسمة للترويج، ففي كثير من الأحيان تتبنى وسائل الإعلام من ينتهكون الآداب العامة، وتصنع منهم أبطالًا، وكذلك كثير من المؤسسات والتجار يدفعون المبالغ الطائلة لأشخاص تافهين لافتتاح محلاتهم والترويج والدعاية لمنتجاتهم، وبالتالي هم يصنعون منهم نموذجًا وقدوة في المجتمع.
لذلك فإن وسائل الاعلام تتحمل جزءًا كبيرًا من تفاقم هذه المشكلة، بل ولا تخرج عن الإدانة والمسؤولية، فوسائل الإعلام يفترض أن تكون منابر لنشر القيم والفضائل، والقيام بالدور التنويري التوعوي التعليمي الذي ينهض بالمجتمع بعيدًا عن الإسفاف، فهذه التصرفات إن لم يتم ردعها بالقوة ومنعها، فإن عواقبها سيئة، ويمكن أن تكون معول هدم تضيع معها كل الجهود المبذولة لتنمية الوطن، فسمعة أي دولة وبناءها، ورفعتها نابعة من تصرف أبنائها..