د. عبدالله العساف

عدنا من العلا بالعُلا

قال صاحبي: كثيرة هي التساؤلات، والتكهنات حول من الكاسب ومن الخاسر في المصالحة الخليجية، كيف تم اختراق هذه الأزمة التي كانت صامدة طيلة السنوات الثلاث الماضية؟، ما تفاصيل هذه المصالحة؟ ولماذا رحب العالم بها؟

هذه التساؤلات وغيرها لم تشغل الشارع العربي، عبر نقاشاته المباشرة، أو الافتراضية، بل ذهبت وسائل الإعلام على اختلاف مشاربها وتنوع مناهجها بالخوض في لجتها، والبحث عن أجوبة لها، وربما السعي لتعكير صفو الأجواء الخليجية، أقول ربما.

وقبل سبر أغوار القمة الخليجية الحادية والأربعين في العلا، أود التذكير بأوليات هذه القمة، فهي أول قمة تعقد في بداية العقد الخامس، وأول قمة تعقد بعد رحيل جميع الآباء المؤسسين- رحمهم الله- وأول قمة تعقد خارج العواصم الخليجية، وأول قمة خليجية تحضرها مصر، وأمريكا، وأول قمة تحمل رمزية مكان انعقادها وعمقها التاريخي بأن الخلاف الخليجي بات في ذمة الماضي، وفتح صفحة جديدة مشرقة في مسيرة مستقبلها كإشراقة شمس العلا الصافية.

ما يهمنا كشعوب خليجية وعربية، هي النتائج دون الخوض في التفاصيل التي يكمن في تجاويفها الشيطان كما يزعم المثل الانجليزي، وكان ردي على قناة DW الألمانية عندما سألني مذيعها، كيف تجاوز الخليجيون كمون الشيطان في التفاصيل؟ بقولي إن القمة افتتحت بسم الله الرحمن الرحيم، فلا وجود لشياطين الإنس والجن، فلا المقاطعة كانت خاطئة، ولا المصالحة كانت خسارة واستسلام من أي طرف، معادلة لن يفهمها إلا المخلصون من أبناء الوطن الإسلامي، ومن يرى في دول الخليج العربي ضامناً لأمن واستقرار أسعار الطاقة.

وحتى نكون إيجابيين ولا ننظر بحدية للمصالحة فالجميع كاسب، والخاسر هو من سعى لاستغلال هذه الأزمة سياسيا واقتصادياً، ونفخ فيها إعلاميا لإطالة أمد تكسبه منها، خلال الاثنين والأربعين شهرا الماضية، التي لبت خلالها قطر مطالب الرباعي العربي بتصنيف مجموعة من الكيانات والأفراد ووضعهم على قوائم الإرهاب، وتوقيعها مع الولايات المتحدة المتاحة اتفاقية تعاون في محاربة الإرهاب، والكشف عن مسار الأموال التي تصرف للمنظمات وغيرها تحت مظلة العمل الخيري، بصوره المختلفة.
​​​

الجميل جداً وعلى خلاف المعتاد في المنطقة أن هذه الأزمة مرت بسلام، ودون إطلاق رصاصة واحدة، رغم استمراها لأكثر من ثلاث سنوات 5-5–2017 حتى 5-1-2021 لم يتم الاحتكام إلى القوة والإبقاء على باب الوساطة مواربا، وهذا في تقدير أحد المكاسب الكبيرة التي يجب ان تكون حاضرة في السياسة العربية عند تعاملها مع القضايا الخلافية، منهج الاتكاء إلى سلاح الحوار وعدم اللجوء إلى حوار السلاح، وهو ما قطع الطريق على المتربصين وتجار الأزمات والحرائق السياسية.

الملف الأبرز هو ترتيب البيت الخليجي والعربي، وما سواه تبع له، ولعل تباشير نجاح القمة والتئام البيت الخليجي- العربي- مبادرة السعودية بافتتاح المعابر الجوية والبحرية والبرية أمام قطر، ثم قيام مصر بذات الخطوة السعودية، ولن أبحر في قراءة مضامين بيان القمة الختامي رغم أهميته البالغة، ولكني سأتوقف سريعاً عند قراءة لغة الجسد الإيجابية وعبارات الترحيب المتبادلة بين الأمير محمد بن سلمان، والشيخ تميم، وما أعقبها من ترجمة عملية لقمة العُلا على أرض الواقع، عندما أعلن قادة المجلس في قمتهم الـ41 أن الخلاف الخليجي طويت صفحته، والإعلان عن العمل الخليجي المشترك لتسخير كل الجهود لما فيه خير شعوب المنطقة ونمائها، وسعيهم لوضع الخطط البناءة والأهداف السامية التي تمكنهم من صناعة مستقبل أكثر رفاهاً ورخاءً لشعوبهم، وأكثر أمناً واستقراراً لدولهم.

قلت لصاحبي:
“مجلس التعاون.. وجد ليبقى.. وليكون أقوى” خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الدورة التاسعة والثلاثين لقمة مجلس التعاون الخليجي.

أ. د. عبدالله العساف

استاذ الإعلام السياسي_ جامعة الامام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى