عمق الكلام
من المؤكد أن ماشهدته الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسابيع القليلة الماضية على وجه التحديد، يحتاج إلى تأمل وربما إلى دراسة متأنية، لما سيكون عليه من تأثير كبير في مستقبل أكبر دولة في العالم.
تشاء الأقدار أن تشهد أمريكا في ” يناير” واحداً من أهم أشكال صناعة الفوضى في تاريخها، ذلك “السيناريو المعتمد” الذي أقرته لكثير من دول العالم، تحت زعم دعم الحريات وحقوق الإنسان!
إنقلب السحر على الساحر، ليتابع العالم بأسره الدولة التي تحكمه، وهي تفقد كل ما دافعت عنه عبر عقود طويلة، من ديمقراطية وحرية وهيبة بين الأمم.
ربما سيظل مشهد أنصار ترامب، وهم يتسلقون أسوار مبني “الكابتول”، أو المشهد الأخر لأحد الأنصار وهو يحمل منصة المتحدث في الكونجرس من المشاهد الغريبة والمثيرة ليس في تاريخ الولايات المتحدة فحسب، ولكن تاريخ العالم.
هذه المشاهد هي الذي صدرتها بلد الحريات إلى العالم تحت مسمى ” الفوضى الخلاقة “، وهو المصطلح الذي أدلت به وزيرة الخارجية الأميركية السابقة “كونداليزا رايس” في مطلع عام 2005 خلال حوار مع صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.
وقتها تحدثت “رايس” عن نية الولايات المتحدة نشر الديمقراطية في العالم العربي، ورسم ملامح لـ “الشرق الأوسط الجديد “، عبر نشر ” الفوضى الخلاقة ” في الشرق الأوسط.
المشاهد التي تابعناها على مدار الأيام الماضية، لا تبرز فوضوية “ترامب” أو أنصاره بقدر ما تشير إلى “السيناريو المعتمد” في نشر الفوضى وتفاصيله، وكيف انقلب السحر على الساحر، وذاق مما لحق بغيره من فوضى وتدمير.
خلال الأحداث تمكنت وحدات الشرطة والقوات الخاصة من تطهير مبنى الكونجرس من المقتحمين في الاضطرابات غير المسبوقة التي أدت إلى مقتل 4 أشخاص واعتقال نحو 68 آخرين.
الخطير أن المجموعات المحركة لذلك، كانت تنشر صورًا للأسلحة التي ستستخدمها في يوم الهجوم على مبني الكابيتول، وبعضها تحدث عن نيته في احتلال المبنى الكابيتول لدفع الكونجرس إلى عدم التصديق على فوز بايدن بالرئاسة!
الملفت أيضاً في الأحداث، ما ذكرته ريني ديريستا، الباحثة في “الحركات الرقمية” من أن الهجوم على الكابيتول كان بدافع من حركات رقمية تعمل في فضاء مغلق بوسائل التواصل الإجتماعي، وأن كل ماحدث، هو إظهار لتأثير ما يعرف ب”غرف الصدى” وهي تجمعات رقمية على الفضاء لأصحاب الفكر الواحد!
على الجانب الأخر فقد نادت هذه “التجمعات الرقمية” من خلال تعليقاتها المحرضة على العنف وتهريب الأسلحة إلى تحويل منطقة التظاهر إلى “مخيم مسلح”!
ألا يذكركم هذا المشهد ” الفوضوي” بمشاهد مماثلة حدثت في مصر.؟!
انظروا إلى أفراد الشرطة والقوات الخاصة الامريكية ودفاعهم المستميت في حفظ الأمن والنظام العام!
لم يسأل أحد عن المتظاهرين الذين قتلوا في عملية الاقتحام، ولم تتحرك منظمات حقوقية لإتهام الإدارة الامريكية بإستعمال القسوة و” القوة المفرطة” ضد المتظاهرين ” السلميين”!
إنه ” الأمن القومي” للدولة ياسادة..
الأمن الذي يحمى المواطن وبقاء الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، ويجابه أي افكار هدفها العبث بمقدرات الدولة، بأي شكل وأي وسيلة.
هذا هو ” السيناريو المعتمد ” الذي تم تننفيذه منذ ” 2005″، ضد الشرق الأوسط ودوله، وللأسف فقد تم تنفيذه بنفس الوسائل ونفس الأدوات تقريباً من ” المجموعات الرقمية” التي إستخدمت مواقع التواصل الاجتماعي في التحريض ونشر الأكاذيب، وحتى ” التجمعات المسلحة” التي أرادت أن تفرض واقعاً جديداً وفق أهوائها!
هذا السيناريو دمر الشرق الأوسط فيما عُرف بـ ” الربيع العربي” وذاقت الشعوب مرارة الربيع المزعوم، ورأت الفوضى مجسدة، وشاهدت كل هذه السيناريوهات وطرق تمويلها وأسباب إستمرارها.
وسط كل هذا العبث، وقفت مصر صامدة، لسبب واحد رئيسي هو صلابة العمق المصري، الذي حاولت هذه السيناريوهات ضرب نسيجه الوطني وتمزيق الشعور الوطني القومي، وإحلاله بأفكار دخيله، تمت صياغتها خارج مصر.
كان طبيعياً أن يتحمل الجيش المصري، بتاريخه النضالي الطويل عبء مقاومة هذا السيناريو بعد أن أصبح ” المؤسسة الحيدة ” الصامدة في ” شبه دولة”!
كان الهدف واضحاً في ضرورة إسقاط مصر، وهو ما كشفت عنه المراسلات المشبوهة، التي جرت بين الإدارة الامريكية وجماعة الإخوان الإرهابية خلال الفترة من 2010 و2013 ، والتي كان من الصعب إستيعابها داخلياً في ذلك التوقيت.
مصر باقية وستبقى ..طالما بقت متماسكة وجيشها على أتم الإستعداد..
———————-
sherifaref2020@gmail.com