أسامة زيتوني

مركاز بن يحى .. هل يغلب رتابة الصالونات الأدبية ؟

احتلّ المركاز الثقافي والاجتماعي مساحة هامة في وجدان أهالي مكّة المكرمة، خلال القرن الماضي..وتحديدًا حتى منتصف القرن الهجري الرابع عشر؛ حيث تميزت تلك الحقبة الزمنية بانتشار المركاز في الحارات المكية، فلم تكن تخلو منه حارة في مكة المكرمة، بوصفه أحد الأشكال الاجتماعية المميزة والتي وجد فيها أهالي ذلك الزمن مكانًا مناسبًا للتسامر، وتجاذب الأحاديث ومناقشة الأمور والقضايا التي تخصهم، إضافة إلى كونه مكانًا مهمًا لأهالي الحي لمعالجة القضايا الاجتماعية وحل المشاكل وما إلى ذلك، ووسط أجواء أسرية وحميمية، كل ذلك إلى جانب تناول المواضيع والأطروحات الثقافية والأدبية والقصص والحكايات والقصائد الشعرية والفنية، فقد كان المركاز في ذلك الوقت يشكل متنفسًا طبيعيًّا خاصة في ظل عدم وجود وسائل أخرى للتواصل، وأيضًا لما زخرت به تلك الحقبة من ازدهار في الحركة الأدبية والثقافية والمساجلات، حتى اعتبره الكثيرون عصرًا ذهبيًّا للحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية وبالأخص في مكة المكرمة، فكان المركاز هو المكان المناسب لاحتواء وتدوين هذا الإنتاج الثقافي الغزير في ذلك الزمن.
ومما زاد أهمية تلك المراكيز في ذلك الوقت، وجود نخبة من رواد الفكر والأدب اللذين كانت تذخر بهم تلك الحقبة الزمنية خاصة في مدن الحجاز، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر؛ حمزة شحاتة ومحمد حسن فقي والزمخشري وحسين سرحان وحسين عرب وغيرهم، فربما كانت هذه المراكيز سببًا مباشر في بروز العديد من الأسماء، أو ربما كانت تلك الأسماء هي السبب في انتشار المراكيز والمقاهي الأدبية، أيًا كان الأمر فالنتيجة واحدة في نهاية المطاف؛ حيث يكاد لا يخلو أي مركاز من أحد الشخصيات الأدبية والثقافية في ذلك الوقت، وليتركوا لنا إرثًا ثقافيًّا ذاخرًا بالعديد من الجواهر الأدبية، فلقد كان هذا الجيل ومن أتى بعده يجدون متعة بالغة في تلك المراكيز أو المقاهي، والتي كانت بمثابة الصالونات الأدبية في وقتنا الحاضر.
وحقيقة فإن تلك المراكيز وبوصفها رافدًا ثقافيًّا مهمًا، بما تركته من أثر واضح على الحركة الثقافية والأدبية، وساهمت بشكل كبير في نتاج أدبي عريق وظهور أسماء جديدة لم تكن معروفة من قبل، فقد كانت هذه المجالس أو المراكيز عبارة عن ملتقى للأدباء والفنانين وأهل المعرفة والثقافة، ولكنها اختفت تمامًا اليوم ؟ وحل محلها الصالونات الأدبية، فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل ما يحدث اليوم في الصالونات الثقافية والأدبية يرتقي بالمستوى الثقافي المطلوب؟ خاصة بعد أن أخذت هذه الصالونات شكلًا رسميًّا ورتيبًا وبيروقراطيًّا معينًا، ما يجعلنا نعتقد بأنها للوجاهة فقط، أو من أجل الحصول على لقب مثقف أو أديب أو صاحب صالون ثقافي؟ أو ربما أنها تجمعات قامت على أسس التشابه الفكري والسياسي والاجتماعي؟! خاصة بعد أن خضعت هذه الصالونات الى حدود ومساحات لا يمكن تجاوزها.
إن الصالونات الأدبية والمجالس الثقافية، لها دور كبير في نشر الفكر والثقافة كلما كانت صادقة وتلقائية وتتمتع بمساحة من الحرية والانطلاق، وهي تعتبر مصدرًا مهمًا من مصادر البناء المجتمعي والإشعاع الفكري والثقافي والأدبي، وتستطيع أن تخلق مشاريع خلاقة يانعة وجيلًا واعيًّا، وتنبت سنابل خضراء باحتوائها وصقلها، فعلينا أن لا نستهين بأي فكر إنساني وإن كان صغيرًا مادام يهدف للسمو بالثقافة والآداب والفنون.

إن ما دعاني للحديث عن هذا الموضوع تحديدًا، ما شاهدته في مركاز بن يحى بمكة المكرمة؛ حيث أعجبني ذلك المركاز، فرغم بساطته وعفويته وتلقائيته إلا أنه أعاد للأذهان صورة المركاز المكي القديم الذي لم تكن تخلو منه حارة، فمركاز بن يحى الذي يرتاده عدد من المهتمين بالأدب والثقافة والفنون المختلفة في مكة المكرمة، كالعم معتوق يماني ودرويش صيرفي؛ إضافة الى إبراهيم يحى وغيرهم، ويتبادلون إلقاء القصائد الشعرية والقصص والمجسات .. وبأسلوب شيق وبسيط، وحقيقة لم أتشرف بزيارة هذا المركاز، وإنما شاهدت العديد من المقاطع المصورة التي أعادت للأذهان جمالية هذه الظاهرة الاجتماعية المهمة، والتي كانت تشكل ملتقى ثقافي أدبي اجتماعي، ولكنها اندثرت إلى حد ما، وما أحوجنا إلى إعادتها؛ خاصة في زمن التكنولوجيا والإنترنت.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. استاذنا القدير اسامة حقيقة ما قلته وكتبته له دليل لرقي فكرك ودماثة خلقك وايضا نتمنى منك ومن كل مهتم بالادب والثقافة عامة زيارة مركازنا المتواضع ليزداد بكم تالقا ولقد كتبت وتوسعت في القول فجزاك الله عنا خيرا ايها النبيل ونحن في مركازنا نستقطب كل من يجد في نفسه الابداع من الشباب وكل مهتم بالثقافة والمركاز مفتوح للكل بدون استثتاء..
    شكرا على جميل مقالك بوركت ووفقت وسددت تحياتي لشخصك الكريم ???

    1. شكرا استاذ ابراهيم
      ولم أقل إلا الحقيقة
      فأنتم من أعدتم للمركاز رونقه وبريقه وحيويته
      وشكرا على حسن ذوقك وكريم دعوتك

  2. بالفعل الصالونات الادبيه لم تعد تحقق الهدف الحقيقي في دعم الثقافه والفنون بالشكل المطلوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى