مع نهاية كل شهر ترتسم على وجوه المواطنين معالم القلق، وهم يقرأون رسالة الشركة الوطنية للمياه، والتي تحمل في طياتها أرقامًا قيّمة فاتورة الماء التي تذهل العقول؛ فتراه يقلبها ذات اليمين وذات الشمال، ويحدق بعينيه في دهشة متفاجئًا من قيمة الفاتورة التى دائمًا ما ترتفع فجأة دون سابق إنذار، وتستمر لفترات طويلة؛ فأصبحت شبحًا يقض مضجع كافة المشتركين.
ودائمًا ما يحاول مسؤولو شركة المياه الوطنية تعليق أسباب ارتفاع فواتير المياه لدى العملاء على شماعة عدم تحديث العميل لبياناته، والاستفادة من الوحدات المخصصة، وكذلك وجود تسربات في مصادر المياه، ومنظومات المياه الداخلية والخارجية.
وفى إطار استكمال عجلة طحن المواطن، وزيادة الأعباء عليه من قبل شركات الخدمات؛ فإننا مع كل فاتورة نتساءل هل هي أخطاء في تقنية العدادات الذكية أم أن الخطأ في قراءة العدادات من قبل موظفي الشركة والاعتماد على التقديرات العشوائية.
فجاءت الإجابة على هذه التساؤلات صادمة للجميع بعد أن شهد شاهد من أهل الدار عندما خرج علينا عبر الشاشات الفضائية الرئيس التنفيذي لشركة المياه الوطنية المهندس “محمد الموكلي” بتلك التصريحات المثيرة للجدل، والتي وقعت علينا كالصاعقة أو أشد منها، حيث أشار فيها إلى أن الشركة تصدر فواتيرها تقديرية في بعض الأحيان مبررًا لهذه الحالة بقوله: إنها تندرج تحت صنف القراءة التقديرية دون أن يعرف المستفيد عن فاتورته هل هي قراءة تقديرية أم فعلية؟!
وإذا ما دققنا في هذا التصريح فسنجد فيه تصويرًا خياليًّا ثلاثي الأبعاد فالعدادات ذكية، وتشغلها عقول بشرية، ومن ثم تخرج لنا فواتيرها تقديرية فكان الناتج صورة زادتنا حيرة على حيرة أدى فيضان حيرتها إلى إغراق المئات بل الآلاف من المشتركين بالمآسي والهموم من فواتير تجاوزت الخطوط الحمراء، وجعلت أسعار الماء تفوق أسعار النفط في الصحراء.
وإذا ما سلمنا بأن المواطن هو السبب في ارتفاع فواتيره لأي سبب كان؛ فإن ذلك ليس سببًا كافيًّا ليتحمل أخطاء الشركة الوطنية للمياه، وقراءاتها التقديرية مع العلم أنه لو حاول الاحتجاج لقيل له هذه ساعة عدادك الذكي تشهد عليك، والساعة لاتكذب أبدًا عندها ربما يفكر هذا المواطن في الذهاب للساعة والجلوس معها؛ ليسألها ويحلفها بأنها صادقة، ولكنها ربما هي الأخرى نطقت قائلة: ما أنا إلا آلة صماء أنفذ ما يطلبه مني موظفو شركة المياه؛ فيدرك المواطن بعدها أن ساعة العداد لا تكذب كونها من حديد، ويرجع إلى فاتورته ليقلبها بين يديه باحثًا عن سبب جديد.
ومسك القول والختام فإنه يجب على المسؤولين في الشركة الوطنية للمياه أن يدركوا حقيقة مفادها أن الماء عصب الحياة وأن المواطن قد يصبر على كل شيء إلا العطش انطلاقًا من قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) كذلك عليهم مراجعة الفواتير، وطريقة قراءتها، ومراقبة عمل الطواقم المعنين بها، وإجراء إصلاحات جذرية على مستوى القوى البشرية، والعدادات الذكية فالماء سر الحياة.
وخزة قلم:
عندما يُصرحُ أي مسؤول وهو في كامل وعيه وإدراكه؛ فإن ما يأتي من تصريحات بعد ذلك إنما هي تلك القشة التي يتعلق بها الغريق.