د. عبدالله علي النهدي

احذروا!! الجاهل الأحمق

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي؛ الرجال أربعة:
رجل يدري، ويدري أنه يدري، فذلك عالم فاسألوه.
ورجل يدري، ولا يدري أنه يدري، فذلك ناس فذكروه.
ورجل لا يدري، ويدري أنه لا يدري، فذلك جاهل فعلموه.
ورجل لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري فذلك أحمق فاجتنبوه.

وضّح لنا العلّامة الفراهيدي، وصنّف الناس إلى أربعة أصناف؛ لنتعرف على طريقة التعامل مع كل صنف بما يحقق لنا الخير والفائدة، ويبعدنا عن السوء والمخاطر، فكان القسم الأول من الناس هو الشخص الذي يدري ويدري أنه يدري، ويتمثّل في شخصية كل إنسان حاذق في علمه ومتمكن من عمله أو مهنته، فلديه من المعارف والمهارات والخبرات ما يفيد بها غيره؛ ويخدم بها نفسه ومن حوله، وهذه الفئة من الناس هي التي يحتاج إليها المجتمع سواء كان ذلك الشخص عالمًا أو فقيهًا أو طبيبًا أو مهندسًا أو معلمًا إلى غير ذلك من أصحاب المهن والوظائف والعلوم التي يحتاجها الناس، الأمر الذي يتوجّب علينا أن نتوجه إلى أصحابها؛ لنأخذ عنهم المفيد الذي نحتاجه منهم كل في مجاله، ونجد لديهم جوابًا لكل ما يستعصي علينا فهمه وتفسيره، وأن نستشيرهم دون غيرهم فيما يشكل علينا من الأمور. كما أن الأمر في هذا الصنف من التفكير يتجاوز الأشخاص إلى المؤسسات الحكومية والخاصة التي تختص بمهام معينة ورسالة محددة وتعمل على تحقيق أهدافها وفق رؤية واضحة لها وللآخرين؛ والواجب علينا أن نتوجه إلى تلك المؤسسات مباشرةً للحصول على ما نحتاجه من خدماتها ذات الجودة العالية.

أما ثانيهم فهو الذي يدري ولا يدري أنه يدري، وهو شخص غلب عليه النسيان فهو يمتلك الكثير من المعلومات والقدرات والمهارات، ولكنه لا يلقي لها بالًا ولا يستشعر أهميتها؛ فيحتاج إلى من ينبهه إليها، ويوقظ لديه الإحساس بقيمتها، فهناك كثير من الناس عامةً والشباب على وجه الخصوص يمتلك من المواهب والقدرات ما سيغير حياته بل وربما حياة من حوله، ولكنه وبكل أسف غافل عن تلك المواهب، ويحتاج إلى من ينير بصيرته بوجودها، ويحفزه على تنميتها واستثمارها كي يفيد ويستفيد. وإذا طبقنا نفس المعيار على المستوى المؤسسي فسيتبادر إلى أذهاننا تلك المؤسسات التي لديها من القدرات والإمكانيات الكبيرة التي تستطيع من خلالها تقديم أكثر مما تقدمه في وقتها الحاضر، لكنها تحتاج إلى من يذكرها بالدور والأهداف المطلوبة منها من خلال الجهات الرقابية المسؤولة عن متابعتها؛ إضافة إلى طرح ونقد وسائل التواصل والإعلام لتلك المؤسسات.

ثم يأتي الصنف الثالث وهو الذي لا يدري، ولكنه يدري أنه لا يدري، والمتمثّل في الشخص الذي يجهل ما يحتاج إليه من علوم ومهارات وسلوكيات تساعد على نجاحه في حياته العملية والاجتماعية، فيحتاج إلى من ينصحه ويوجهه ويرشده إلى ما يناسب إمكانياته وقدراته الجسدية والنفسية والعقلية، وإن كان من الأفضل أن يبادر هو بسؤال غيره عن تلك الأمور؛ فلربما انشغال الآخرين ممن حوله من الأصدقاء والمقربين والمعلمين قد يحول بينهم وبين الاهتمام بشئونه؛ لكن حتى وإن لم يبادر هو بسؤالهم؛ فالمفترض على من يهمهم أمره توجيهه إلى ما يناسب شخصيته، وهذه الحالة قد تمثل شخصية لعددٍ من الكيانات المؤسسية التي تواجه الكثير من المشكلات والمعوقات التي تحول بينها وبين القيام بمهامها الأساسية وتعيقها عن تحقيق أهدافها؛ وبالتالي فالواجب عليها طالما تشعر وتعترف بما تُعانيه من مشكلات؛ بأن تتوجه إلى الخبراء من أصحاب الاختصاص والمراكز الاستشارية التي تستطيع مساعدتها في إيجاد حلول مناسبة لتلك المشكلات، وبأسرع وقت ممكن؛ لتتمكن من القيام بمهامها، وتحقيق ما تصبو إليه على أكمل وجه.

وأما الصنف الرابع والأخير فهو الرجل الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك الأحمق الذي ينبغي تجنبه، درءًا لشره واتقاءً فحش لسانه، كما أن في مجادلته إهدارًا ومضيعة للوقت، فمهما كانت حجته ضعيفة إلا أنه سوف يتمسك بها مهما تبين له من حقائق مضادة لها، مما قد يجعلك تفقد أعصابك وتتصرف بشكل متهور لا يختلف عن تصرفات ذلك الجاهل الأحمق، وقد قيل لا تجادل الأحمق، فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما، وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قوله: لا تخاطب الجاهل فيغلبك بجهله. أما إذا تساءلت عن المؤسسات التي تُدار بالعقلية التي لا تدري ولا تدري أنها لا تدري فيجب أن يتبادر إلى ذهنك كل مؤسسة ضلت طريقها، وانحرفت عن مسارها الصحيح الذي أُنشئت من أجله، وحاولت أن تلبس ثوبًا غير ثوبها، فأصبحت مثل الغراب الذي حاول أن يقلد الحمامة في مشيتها، ولكنه فشل فشلًا ذريعًا، وعندما يأس وأراد العودة لمشيته القديمة، اكتشف أنه نسيها أيضًا، لقد فقد هويته بالكامل، فلا عاد غرابًا ولا صار حمامة. وهذه مشكلة تلك المؤسسات فلا قامت بدورها الحقيقي المطلوب منها، ولم تستطع القيام بدور من تُحاكي من المؤسسات الأخرى. والأعجب من ذلك كله أنها الوحيدة التي ترى نفسها ناجحة في كل الاتجاهات، فعلى الرغم من أن الأكثرية من الناس بمن فيهم من يعمل داخل تلك المؤسسات أصبح يدرك تمامًا فشلها؛ إلا أن إدارة تلك المؤسسات تصر على إيهام نفسها بالنجاح فشعارها الدائم (عنز ولو طار)، لذلك إذا كان من الصعوبة في كثير من الأوقات تجنب التعامل مع تلك المؤسسات في الحصول على بعض الخدمات التي تحتكرها، إلا أن الحذر مطلوب عند التعامل مع حماقتها.

آخر الكلام:
لِّكل داءٍ دَواءٌ يُسْتَطَبُّ بِهِ ​
إلاّ الْحَماقةَ أَعْيَتْ مَنْ يُداويها
******************
• عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button