المقالات

الإعلام الاجتماعي والمنظومة القيمية للأسرة

شهد العالم تحولات كبيرة في تكنولوجيات الإعلام والاتصال، ومختلف المجالات العلمية، والتقنية الأخرى تمخض عنها تغيرات طالت حياة الأفراد والمجتمعات في كل أبعادها، وقد كان لتوسع شبكة الإنترنت الأمر البارز في تلك التغيرات. ولقد ألقى التطور التقني؛ وخاصة ثورة الاتصال الرقمي بظلاله وتأثيراته الإيجابية والسلبية على جميع أنماط حياة الفرد بما في ذلك تربيته وتنشئته الاجتماعية وعلاقاته الاجتماعية مع الآخرين؛ حيث تعددت مصادر التنشئة والتربية في ظل فضاء الإعلام الالكتروني الذي أصبح له دور فاعل في صياغة أنماط جديدة من السلوك.
وتعاظم تأثير الإعلام وتضاءل أثر بقية الوسائط التربوية الأخرى، وتطورت وسائل الإعلام كثيرًا مع الوقت، وأصبح ما يُعرف بالإعلام الاجتماعي في وقتنا المعاصر هو المؤثر الأكبر الأعظم أثرًا على منظومة القيم من حيث ترسيخها أو مسخها أو حتى إسقاطها، لا سيما في ظل الانفتاح الفكري والثقافي العالمي الذي تعيشه البشرية اليوم، الأمر الذي أدى إلى عدد من التحولات على مستوى المعايير الاجتماعية والأنماط الحياتية؛ إضافة إلى تغييرات محسوسة في بنية العلاقات الفردية والاجتماعية.
أضحت آثار الإعلام الاجتماعي ظاهرة على القيم والبنى الاجتماعية وأنساقها المختلفة، وخاصة النسق القيمي للأفراد والمجتمعات، لما أحدثه الإعلام الاجتماعي من تجاذبات على مستوى القيم بين المحلي والعالمي وبين المادي والروحي وبين الرمزي والواقعي، وبين الأصيل والدخيل. وهذا التأثير قد يمتد ليهز منظومة القيم ويغير فيها تغييرًا واضحًا في ظل غیاب القوانین والضوابط والتشريعات التي تحكم إیقاع هذه الظاهرة، فينعكس الأمر على المنظومة القيمية لدى أفراد الأسرة واتجاهاتهم وميولهم تجاه بعض القضايا والمواقف الأسرية؛ لذلك أصبحت منظومة القيم من أهم القضايا التي يتم إثارتها والاهتمام بالبحث فيها نتيجة المشهد التكنولوجي الذي نعيشه اليوم.
ويعتبر الإعلام الاجتماعي أبرز وأهم التحديات التي تواجهها الأسرة السعودية في الوقت الراهن؛ نظرًا لما تحويه من قيم قد لا تتوافق مع قيم الأسرة السعودية, وما أحدثته من تطور على مستوى الإعلام والاتصالات ووسائل التواصل التي شكّلت من خلالها أدوات تنشئة اجتماعية دخلت عقر دار الأسر واخترقتها.
هناك وظائف كامنة لوسائل الإعلام والاتصال وهي أشد تـأثيرًا مـن وظائفها الظاهرة في تغيير المواقف والاتجاهات والقيم وبعض أنماط السلوك، فكثيـرًا ما يقبل الأفراد، ويتعاملون بلا مبالاة، مع سلوك كانوا يرفـضونه، وكثيرًا ما تخلى الناس عن قيم كانت راسخة، واستبدلوا بها قيمًا دخيلـة، كانت موضع استنكار فيما سبق. لأن المتغير الجديد أحدث خللًا في منظومة القـيم التي تحكم علاقات الأفراد تجاه الآخرين، وتحكـم كذلك رؤيتهم للأمور نتيجة تعرض منظومتهم القيمية والأخلاقية والاجتماعية لمجموعة من المفاهيم، والتـصورات المـضادة والقيم المتناقضة والثقافات الأخرى عبر مصادر معلومات متعددة، فـي مقـدمتها وسائل الإعلام والاتصال التي أحدثت الخلخلة التي نراها في النظام القيمي والسلوكي العام لمجتمعنا.
أصبح الإعلام الاجتماعي شريكًا في عملية التنشئة الاجتماعية، وبالتالي امتد تأثيره إلى الروابط الأسرية وتغيير أنماط العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمع. إنَّ التغير القيمي والفكري الذي أحدثه الإعلام الاجتماعي على الأسرة والمجتمع قد طال عناصر السلوك الاجتماعي لأفراد الأسرة وأصبح السلوك الإنساني في أغلبه مكتسبًا فرديًا أو جماعيًا، وقد أدى الإعلام الاجتماعي إلى تبدل في الخصائص الثقافية والقيمية للأسرة، فالقيم الاجتماعية المرتبطة بالحب والمودة والتواصل والتراحم والتعاون بين الأفراد بدأت تنحسر وتتبدل من صورتها الحقيقية إلى صورة افتراضية فالتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي أدى إلى تراجع دور أفراد الأسرة في المشاركة في الزيارات والمناسبات العائلية واستبدالها بالمكالمات والرسائل الإلكترونية.
كذلك أدت العزبة النتاجة عن الاستخدام المكثف للإعلام الاجتماعي إلى انحصار العلاقات بين أفراد الأسرة وافتقاد الأسرة للغة الحوار.
لذا يقع على الأسرة والمؤسسات الإعلامية دور كبير في مواجهة تأثيرات الإعلام الاجتماعي. على الأسرة غرس القيم الإيجابية لدى الأبناء والتي تساعد في ضبط سلوكهم أثناء استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، كقيمة الانضباط الداخلي والرقابة الذاتية، كذلك على الأسرة إعطاء المزيد من وقتها لأفرادها والاستماع لهم جيدًا؛ وخاصة حول مشاكلهم حتى لا يلجأون لحل مشاكلهم في العالم الافتراضي. وتوجيه الأسرة لأبنائها نحو استثمار أوقاتهم في العمل التطوعي والقراءة، وممارسة الهوايات بعيدًا عن الإدمان على شبكات التواصل الاجتماعي. أما من الجانب الإعلامي فيجب وضع إستراتيجيات إعلامية واضحة لمواجهة ترويج الغرب لقيم إعلامية لا تتوافق مع المجتمع العربية. تفعيل دور التربية الإعلامية التي تهدف إلى إعداد الشباب لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم والمشاركة فيها بصورة فعالة، ووضع استراتيجيات إعلامية واضحة لمواجهة ترويج الغرب لقيم إعلامية لا تتوافق مع المجتمع السعودي، وكذلك سن القوانين والتشريعات التي تضبط أداء وسائل الإعلام الاجتماعي وتحكم الرقابة على المحتوى الإعلامي.

————————

أستاذ مشارك بكلية الاتصال والإعلام

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button