لا شعور أجمل وأكمل من أن يصلك إهداء كتاب من مؤلفه إلى بيتك بواسطة دار النشر التي تمت طباعة ذلك المؤلف فيها وهي لعمري أول مرّة يهدى إلّي كتاب وأنا في منزلي عن طريق الموزع ، هذا ما حصل معي الأسبوع الفارط حيث أهداني الأستاذ عبد الهادي بن محمد بن حربي الزهراني الأستاذ بجامعة أم القرى ولفت نظري للعنوان الذي توسّم به مؤلفه ” معجم الفصيح المختار من شعبي الأشعار ببلاد زهران ” الطبعة الأولى 2020م كما اختار للغلاف صورة من تراث المنطقة عبارة عن باب خشب قديم منقوش به كواكب كما تسمى معلق بها حلقتان للقرع في حالة التنبيه لمن هم داخل البيت قبل أن تأتينا جرسات الكهرباء والأنترفون المرئي وغيره من والوسائل الحديثة .
الكتاب جاء في أكثر من خمسمائة صفحة من القطع المتوسط مدعما بالفهارس إلى جانب الإيضاحات حول الكتاب من إهداء لأبناء قبيلته ” زهران ” والمقدمة التي بين فيها المؤلف بأن مادة الكتاب استقاها بالتوثيق من كتاب علي بن صالح السلّوك – يرحمه الله – الموروثات الشعبية لغامد وزهران في طبعته الأولى قبل ما يزيد عن ربع قرن الذي جمع فيه من موروث منطقة الباحة في مجال الشعر والفلكلور الشعبي والفنون الشعبية التي اشتهرت بها المنطقة واشتهر بها عدد من الشعراء الشعبيين خلال الفترة ما بين القرن 13-هـ إلى أوائل القرن 15هـ كما وضح منهجية جمع مادة الكتاب المعجم وذكر بأنه اعتمد على ما اعتمد عليه البرفسور عبد الرزاق بن حمود الزهراني في كتابه ” الفصاحة في منطقة الباحة من أسلوب علمي يتمثل في الرجوع للمعاجم وذكرها بالاسم إلى جانب موقع إلكتروني “الباحث العربي” وتساءل المؤلف عن الشعر المعاصر عند قبائل زهران هل هو فصيح أم شعبي ؟ ووصل لمعلومة أوردها بالربط بين الشعر الشعبي في زهران من حيث البلاغة وما ورد في بعض آيات القرآن الكريم من جناس قارنه بما يسمى الشقر في نهاية أبيات الشعر الشعبي بين البدع والرد في أشعار العرضة واللعب والمسحباني وغيره من أنوع الفلكلور .
يذكرني موضوع الكتاب بمقالي بعنوان ” العربية تصالح مع الشعبي والفصيح ” في صحيفة مكة الإلكترونية https://www.makkahnews.sa/articles/5150784.html لمن يريد الرجوع له على هذا الرابط ،طبعا العمل في هذا المؤلَف يعتبر نوعي وجهد غير عادي ولا مسبوق من حيث التأصيل والعودة للماضي من بوابة الشعر الشعبي في بلاد زهران وإن كان لي تحفظ على حصره في هذه القبيلة وحدها فهناك قبيلة غامد أيضا تشترك معنا في نفس الفلكلور وعندها زيادة تخص البادية وإن كانت المنطقة تعيش هذا الفن الشعبي تحت مظلة واحدة يحيي مناسباتها شعراء من القبيلتين كما تمتد المشاركة لقبائل أخرى في الجنوب وهناك شعراء في هذا العصر يشاركون شعراء غامد وزهران في إحياء هذا اللون الشعبي ويقاسمونهم ويقارعونهم في ذات اللغة الشعرية بما تحمل من بلاغة ومعاني وألحان شعبية .
ورد في المعجم أسماء شعراء كثر ولفت نظري أن هناك رجال سماهم المؤلف شعراء ولا أعلم عن نتاجهم الشعري ولم أسمع بهم في ساحة الشعر لكن ربما لهم قصائد يتيمة أو لنقل قليلة مرتبطة بظروف معينة أو مناسبات وهناك ملاحظة أن المؤلف نسب بعض الشعراء المعروفين لأكثر من قرية وكنت أتمنى منه وهو ملم بهذا بالتأكيد أن يشرح بعض الاختصارات في بنية الكلمة الحرفية واستبدال بعض الحروف بالتنوين والعكس أيضا .
هذا الجهد والبحث في كنوز الشعبي والفصيح لا يقلل من شأنه بعض الملاحظات التي قد يستدركها المؤلف في الطبعات القادمة بعد التحقيق والإضافات التي قد تطرأ بعد القراءات التي ستظهر بين مقالات أو قراءات من متخصصين وأحسب أنه والفقيد علي السلّوك –يرحمه الله- والأستاذ الدكتور عبد الرزاق بن حمود الزهراني وبعض الأخوة الذين قد لا تحضرني كتاباتهم ومؤلفاتهم حول الموضوع ولولاهم لضاع إرثا كبيرا وواسعا له باع واسع في إحياء موروث الأجداد والآباء الذي مع الأسف لم يسلم من كورونا التي وأدت حفلات كثيرة حيث توقف الشعراء عن إحياء الحفلات في كثير من المناسبات الاجتماعية وحلّت مكانه الشيلات وعمّا ريب سيعود نجمه يتلألأ في سماء القصور بعد انتهاء الجائحة إن شاء الله .
انعطاف قلم :
طرأ على بالي وأنا أكتب المقال مآل صناديق البريد التي علقتها الجهات ذات العلاقة في وقتها قبل سنوات ومازالت تشكل عبئا على واجهات المباني بل وتحول بعضها لحفظ بعض النفايات الصغيرة وبعضها مهشمة والسؤال لماذا لا تزال من مكانها مادام انتفاء حاجة المواطنين لها إذ لم يتم تفعيلها من البداية وحتى تأريخه .