وصف العالم النفسي “كارل روجرز” فترة الفوضى في حياته قائلًا: “لقد كنت محظوظًا أكثر من الآخرين في إيجاد… أشخاص استطاعوا الاستماع لي، وبالتالي إنقاذي من فوضى مشاعري”.
على الجانب الآخر مشهد يتكرر في حياتنا اليومية بشكل كبير حتى بت أعتقد أنه نمط سلوكي شائع… فقد جاء يشكو إلى أخيه استياءه مما حدث معه، فقال له أخوه: تستاهل ماجرى.. كان عليك أن تكون حذرًا.. لماذا لم تفعل…؟ ولماذا…؟
وبين لماذا…؟ ولماذا…؟ نفقد الكثير من التواصل الإنساني الفاعل.
يقول الشاعر الجاهلي عبد يغوث الحارثي:
أَلا لا تَلوماني كَفى اللَومَ ما بِيا وَما لَكُما في اللَـومِ خَيرٌ وَلا لِيـا
أَلَم تَعـلَما أَنَّ المَـلامَــةَ نَـفـعُهـا قَليل وَما لَومي أَخي مِن شمالِيـا
ما المبرر الذي يدفع المستمع للوم بشكل سريع؟
هل هي ردة فعل آلية تم اكتسابها خلال التنشئة الاجتماعية؟
يخيّل لبعض الناس أن اللوم هو التصرف الصائب في مثل هذه المواقف.
في الحقيقة يا صديقي… إن اللوم في هذه المواقف لا يجدي ولا يشفي ولا يساعد على النمو إطلاقًا. البشر حينما تعترضهم المواقف السيئة في الحياة هم بحاجة إلى الدعم النفسي من خلال التعاطف، ومساعدتهم على رؤية الحلول التي انغلقت أذهانهم عنها نتيجة لاستيائهم.
إن التعاطف الإنساني من أهم المهارات التي تساعد في نجاح العلاقات الاجتماعية. ويلعب دورًا حاسمًا في الاستقرار النفسي للمجتمعات بشكل عام. وبنظرة شاملة فالتعاطف الإنساني يتضمن ردود الأفعال المعرفية والعاطفية الفعالة والتي تتطور مع الوقت. إذ هو عملية معرفية تفضي إلى تفهم ما يشعر به الآخرون أو تأتي بمعنى التواصل الوجداني مع الآخرين ومشاركتهم سلوكيًّا.
وبما أن التعاطف الإنساني ليس سمة أو ميزة موروثة وإنما مهارة. فإن علينا توجيه اهتمامنا لتعلم كيف نمارس التعاطف مع الآخرين؟
إن التعاطف الإنساني يتكون من أربعة عناصر، متى ما طبقتها يا صديقي ستكون قدمت هدية لا تثمن لنفسك وللآخرين، وهي:
1- الفهم فنحن بحاجة إلى رؤية موقف الآخرين، وسلوكهم في ضوء نظرتهم الشخصية، وقيمهم ومعتقداتهم، إنه يشبه السير بحذاء الآخر. وهناك مقولة رقيقة للشاعر “والت ويتمان” تشير إلى الفهم العميق للآخر: أنا لا أسأل كيف يشعر الجريح، أنا نفسي أصبح الشخص الجريح.
نستطيع أن نطور هذه المهارة من خلال توسيع دائرة إدراكنا لمن حولنا والانتباه إلى أن هناك دومًا وجهات نظر متعددة للموقف نفسه، هذا لا يعني تبني وجهة النظر الآخر أو الذوبان، ولكن يعني الإحساس به والنظر من نافذته مع المحافظة على الموضوعية في الرؤية حتى ينجح تحقيق التعاطف وتقديم المساعدة.
2- القبول.. كم منّا يا صديقي يستمع إلى الآخر دون انتقاد أو حكم؟
علينا تقديم التقدير الإيجابي غير المشروط، إن التقبل قد يعد منطلقًا يساعد الآخر نحو التحسن الإيجابي المنشود.
3- الأمل.. فلنثق أنه لا شيء يعادل منح الضوء لشخص مشوش، يقول مارتن لوثر: يجب أن نتقبل خيبة الأمل المحدودة لكن ألا نخسر الأمل اللانهائي أبدًا.
لنمنح الضوء للآخرين علينا أن نساعدهم على الوعي بالمشكلات الموجودة حاليًا، لكن مع إمكانية أن تكون الأمور أفضل.
4- أخيرًا فإننا بحاجة إلى التواصل اللفظي وغير اللفظي لتحقيق التعاطف الإنساني.
قد لا يحل التعاطف الإنساني جميع المواقف الصعبة، ولكن بالتأكيد أنه يخفف من العبء، والمشقة النفسية.. كن يا صديقي داعمًا متعاطفًا مع الآخرين.. وعلم الأجيال الجديدة عناصر تطبيق التعاطف الإنساني فقد أشارت دراسة (Aderman,1992) بوجود علاقة ارتباط إيجابية بين التعاطف، وأساليب التنشئة الاجتماعية الإيجابية.
تذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى).