قال صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ)، والتخبيب هو إيقاع العداوة والبغضاء وإفساد العلاقة بينهما مثل أن يذكر لها مساوئ زوجها أو محاسن غيره لمقارنته بزوجها، وأورد الحديث العلاقة الزوجية أولًا؛ لأنها أساس بناء الأسرة والأسرة نواة المجتمع؛ ولأنها الأكثر وقوعًا ولخصوصية العلاقة بين المرأة وزوجها وأهمية صفاء القلوب وبعدها عن العداوة والبغضاء لاستقرار الحياة، وإلا فإن إفساد العلاقة وإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين عمومًا يُعد من التخبيب، ويتعارض مع أسس الشريعة السمحة التي تدعو إلى الألفة والمحبة بينهم، وتحث على التعاون والتآخي (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) و(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
والنوع الثاني في الحديث هو علاقة العبد بمولاه، وهنا ركن من أركان بناء المجتمع، وهو الركن الاقتصادي علاقة العمل بين العامل، ورب العمل المبنية على الثقة، والتعاون، والصدق، وتكامل الأدوار؛ لتحريك عجلة الإنتاج، وفي قصة مواطن استقدم عاملًا بقريته الصغيرة، وعلّمه تربية الماشية والعناية بها والزراعة بمزرعته الصغيرة؛ حتى أصبح ماهرًا فيها ومحل ثقة وأنه لو غاب أيامًا فلا يخاف على نعاجه ولا شجرة؛ حتى إنه علّمه السياقة، وفجأة وبدون مقدمات قال له العامل إنه لن يعمل لديه، ويطلب السفر، وتبين له أن أحدًا أغراه بزيادة في الراتب إذا سافر، وعاد ليعمل عنده. وكم علاقات مماثلة تنتج أعمالًا كانت مصدر رزق، وفتح بيوت خربت بمثل هذا التخبيب.
ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي كثر وانتشر التخبيب، وإن شئت فقل التخريب، ودخل إلى الكثير من البيوت، والكثير من الأسر، وبدلًا إن كان لفرد أصبح لجماعة، وبدلًا إن كان من الأحاد أصبح من الجماعات، بل وأصبح من منظمات وقنوات وشركات تهدف إلى هدم المجتمعات الإسلامية؛ وخاصة المملكة العربية السعودية قلب العالم الإسلامي وقبلته وبعمل مؤسسي منظم، وأن من أنواع التخبيب ما يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي من نشر لمقاطع وتوجيهات وأقوال تحث النساء للخروج على طاعة الأولياء، والأزواج، والمقارنات، والاستعراضات، وتزيين الباطل، والدعوة له وتشويه الحق، والصد عنه؛ ليوغرن صدور العفيفات المحصنات في بيوتهن على أزواجهن وأوليائهن فيشطنن هؤلاء الأولياء ويتهمن المحافظات بالتخلف، ورغم صدور أحكام قضائية بتعزير المخببين والمخببات في دعاوى رفعها بعض المتضررين إلا أن غالبيتهم لم يتقدموا بشكواهم وتجرعوا آلامهم، وصبروا على ما ابتلوا به دون أن يعلم بهم أحد.
وهذا التخريب المنظم يحتاج بالمقابل إلى عمل منظم وعمل مؤسسي، ومن ذلك أن على آئمة المساجد وخطبائها أن يبينوا للناس عظم التخبيب وأثاره على الأفراد والمجتمعات، وعظم جرمهم، ولعل معالي وزير الشؤون الإسلامية يوجه الخطباء بذلك كما أن على الجهات المختصة، وأولها النيابة العامة أن تتصدى لتلك القنوات والمخربين لمعاقبتهم، والتشهير بهم، وكذلك على الإعلاميين والكتاب أن يقوموا بدورهم في ذلك؛ ليعلم الناس شر هولاء المخببين المخربين، ولا ينخدعوا بما يروجون إليه من أفكار هدامة حمانا الله من شرورهم.
0