المقالات

حرب مزيفة وانتصار موهوم

للأسف تأخذ النفس حظوظها فينا بشكلٍ ظاهر، والخروج عن عباءة هذه النفس مثالية نتمناها ونتغنى بها أحيانًا، ولكن لكل مثالية واقع متربص.
تأخذنا حظوظ النفس للكثير من الحروب، وتصوّر لنا بعض منعطفات تلك الحروب انتصارات ماجدة، وأمجاد متفردة، وربما ينتهي العمر قبل أن تنصفنا الحقيقة؛ فننتهي إلى صورة مشوهة عن الحرب، وأخرى أكثر تشوهًا عن المجد، وأوسمة الانتصار.
يأخذك الحمقى أحيانًا إلى حرب لست منها في شيء فإذا ما انزلقت فيها صرت قوسًا بيد الآخر وسهمًا بيد من لا يحسن الرمي، فتجاسرت السقطات عليك أكثر وأكثر، وانعدمت الحكمة كأن لم تملكها قط.
متلازمة الحرب المزيفة تعدد الأطراف، فما يُعرف تقليديًّا عن الحرب المجردة وجود طرفي نزاع، وبهذا تقوم أركان الحرب، وتصبح قابلة للانطلاق، أما زائف الحروب فطرفيها ليسا سوى أداة لدى أطراف أخرى أتقنت التخطيط، وامتهنت تجنيد سواعد التنفيذ، لتأتي على أطراف متداخلة وخصوم بلا مخصم.
حروب النقاشات والجدال حروب مزيفة، والانتصار فيها ليس إلا انتصار موهوم، ويكون هزيمة حينًا حتى مع الانتصار متى كان الضد أقرب للحمق من طلب الحق، لتخرج أخيرًا بالمثل الإفريقي “الرجل الحكيم ليس له معرفة بكل شيء، فقط الحمقى يعرفون كل شيء”؛ فإن كنت حكيمًا لم ينصفوك، وإن كنت أحدهم لن يُعْلوك.

“كسب الجدال في تجنبه” كما قيل، وهذا الميدان هو أكثر الحروب الموهومة التي نخوضها بشكل متكرر ويومي أحيانًا، وإذا ما فتشت بتجرد تجاه الناتج الأخير لتلك النقاشات وجدت في أغلبها ما بين انتصار للنفس ودفاعًا عنها، وتعند في قبول الحق على حساب الإطاحة بالآخر والنيل منه، حتى باتت الفكرة والحق الذي كان منطلقًا تلك “الحرب” وذلك النقاش بمنأى عن الحدث، وبهذا تعددت الأطراف، وتكاثر الخصوم، وانجرف الحكيم، وضعف الرابط، وانهزم الجميع إلا من امتلك الحمق، وسار به، وماذا عساه يفقد من هذا سبيله؟
الحروب الحقيقية هي من تتساوى في الأطراف، وتكون الندية سيدة الموقف، وحينها يكون النصر محل الاحتفال، وأبعد من هذا أن تكون الهزيمة رغم مرارتها مدعاة للأسف دون الشفقة، فلم يهزمك إلا ندك، وعلى هذا كان العرب في سابقهم.
أخيرًا… تعرف على الخصم وملامح الحرب قبل أن تنصب نفسك منتصرًا على بعض الحمقى..

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button