إكمالًا لما سبق نشره، فعلينا أن نستوعب جميعًا بأن الطائرة ما هي إلا منظومة هيكلية متكاملة طائرة، تتكون من هياكل مشدودة موزونة ومترابطة في الجو بُنيت على أعلى معايير الجودة والمتانة والسلامة، وغطيت بصفائح معدنية متماسكة؛ لتعطي الشكل الخارجي كما أنها محكمة الإغلاق لتكون كالبالونة الطائرة، ويحكم هذه المنظومة كافة الأنظمة التقليدية كالكهربائية والهيدروليكية والميكانيكية والهوائية وحاليًّا أضيف عليه النظام الخامس، وهو النظام الإلكتروني مع عدادات اللمس – ومستقبلًا سيضاف النظام السادس، وهو التحكم عن بُعد باستخدام الأشعة التحت حمراء وبدون عدادات الملاحة الظاهرة؛ حيث ستتحول إلى عدادات مرئية تعرض على الزجاج الأمامي للطائرة – وذلك للتحكم بالمحركات، والوقود، والأجنحة، والجنيحات الهوائية، وأنظمة عجلات الهبوط، وأنظمة إطفاء الحرائق وكابينة القيادة بما تحويه من أنظمة الملاحة الجوية ورادارات التواصل، والمسح الجوي، والتخاطب الأرضي، والتحكم في كمية الأكسجين ودرجة حرارة الكابينة، وأخيرًا المكونات الترفيهية لكابينة الركاب التي توفر لهم الراحة، والمتعة، والترفيه.
وتوفير مثل هذه المنظومة الضخمة من المكونات والخدمات والترفيه في أعتى الارتفاعات الجوية يتطلب التغلب على كافة التحديات والمخاطر، ولقد تكلمنا في المقالة السابقة عن اثنين من المخاطر الخارجية فقط، وهما انخفاض الضغط الجوي، ونقص الأكسجين، فهل هنالك أي مخاطر أخرى قد تتعرض لها الطائرة في الأجواء العليا؟
نعم بالتأكيد، فهنالك الكثير من المخاطر التي تمر بها الطائرة ويعالجها القبطان بكل حنكة واحترافية، ولكن سنتكلم عن أعتاها وأشهرها فقط، فمن أكثر المخاطر التي قد تتعرّض لها الطائرة في الجو ثماني مخاطر خارجية وثلاثة مخاطر داخلية، وقد شرحنا خطرين خارجيين مسبقًا، وهما انخفاض الضغط ونقص الأوكسجين، والآن نذكر بقية المخاطر الخارجية الستة التي قد تهدد سلامة الطائرة في السماء وهي:
-السحب الركامية المزنية الرعدية، والتي قد تضرب الطائرة بالصواعق الحارقة فتسبب أضرارًا جسمية.
- والسحب الركامية المزنية الثلجية Hail قد تصيب الطائرة بكرات من البرد فتحطمها.
-والعواصف والأعاصير التي قد تجرف الطائرة فتقلبها.
-والقص الهوائي الذي قد يقلب الطائرة في الإقلاع أو الهبوط.
-وتكوّن الجليد بكثافة على مقدمة المحركات والأجنحة، والذي قد يتسبب في إثقال الطائرة، وتجمد محركاتها فيتسبب في إسقاط الطائرة.
وأول المخاطر الداخلية الثلاثة هو:
- تصلب عجلات نظام الهبوط عن النزول في فلا يستطيع الهبوط إلا بإعلان حالة الطوارئ، وسكب مواد سائلة على أرضية المدرج،
– وثانيها امتناع العجلات عن الرفع بعد الإقلاع فلا يستطيع إكمال الرحلة، ويضطر للعودة.
-وثالثها حدوث حريق داخل أحد المحركات ما يضطر معه القبطان إلى إيقاف المحرك المشتعل عن العمل؛ كي يتمكن من إطفاء النار وفي بعض الأحيان لا يتسطيع إعادة إشعال المحرك مرة أخرى، وتكمن المخاطر الكبرى فيما لو حدث نفس الشيء في المحركات الأخرى فأضحت الطائرة في الهواء بلا محركات تعمل.
وأخيرًا الرياح المضادة: وهي ليست من المخاطر العليا، ولكنها تزيد من مقاومة الهواء فتتسبب في حرق كميات كبيرة من الوقود فتضطر الطائرة إلى الهبوط الاضطراري قبل الوصول إلى وجهتها بسبب نفاذ الوقود.
والمطمئن في الموضوع أن كل ما سبق ذكره قد تخطته صناعة الطائرات بمراحل فقد تم استحداث جميع أنواع البرامج والأنظمة التي تحمي الطائرات من كل تلك المخاطر كما يتم تدريب طواقم القيادة مع طواقم الخدمة للتعامل مع كافة المخاطر بكل احترافية؛ لتصبح الطائرات من آمن وسائل المواصلات في العالم ولكنها مكلفة جدًّا.
وهنا تنتهي حيثيات قصة صناعة الطائرات لتبدأ قصة صناعة الطيران، فالوصول إلى تلك الجودة العالية مكلف جدًّا، ولكن صيانتها والمحافظة عليها باستمرار لهو أصعب وأعلى كلفة والمسافر بطبيعة الحال لا يرى شيئًا من ذلك ولا يعنيه أي شيء فقط عليه أن يستمتع بالخدمات والرفاهية والراحة؛ ليعتقد بأن الرحلة الجوية هي عبارة عن متعة سهلة ومريحة ورخيصة فلا يمكن بحال من الأحوال أن يستوعب تلك التكاليف قط، ناهيك عن رسوم وقوف الطائرة على أرضية المطارات ورسوم عبورها أجواء الدول الأخرى وسفر طواقم الملاحة، وخدمة المقصورة من بلد إلى بلد، ومبيتهم في الفنادق لهو مكلف جدًّا أيضًا، كما يضاف عليها تكاليف خدمات المناولات الأرضية للركاب والعفش.
لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال تخفيض مستوى الجودة من أجل خفض التكاليف فبنيان الطائرة وهيكلها وسلامتها لا يقبل أي معايير منخفضة في الجودة عكس كابينة الركاب التي تخضع مكوناتها للأمور التجارية، ونوع الخدمات المطلوب تقديمها من قبل المشغل، وعلى رغبة العميل.
وأفضل وسيلة لضمان تلك الجودة هي تطبيق برامج الصيانة الدورية المكثفة، والتي تعتمد إما على عمر الطائرة أو على عدد ساعات الطيران فالطائرة تبقى آمنة طالما أنها ما تزال في الهامش المسموح به من معايير الجودة التشغيلة.
علمًا بأن جودة التشغيل تختلف باختلاف ترخيص الهيئات العالمية كالهيئة الفيدرالية الأمريكية للطيران، والهيئة الأوروبية لسلامة الطيران اللتين لا تسمحان لأي طائرة تهبط في مطاراتهما، بل ولا تعبر لأجوائهما مالم تحصل على ترخيص من كل منها، والذي يلزم كل مشغل تطبيق برامج صيانة دورية عالية الجودة كي تضمن سلامة أجوائها فلا يهددها عبور أي طائرات متهالكة.
في المقالة القادمة سندخل في عمق صناعة الطائرات، وسنتكلم عن القوى السلبية، والقوى الإيجابية في صناعة الطائرات.
بارك الله في علمكم ونفع بكم