لا نكاد نكف الحديث عن الثقافة ، الثقافة في مجملها العام وبكل شموليتها ، باعتبار أن الثقافة هي قيم مجتمعية يتشارك فيها الجميع، وبالضرورة تنتج بطريقة هادفة وبناءة ، فاذا ما انحرفت عن مسارها الصحيح أصبحت ثقافة مدمرة وتقود الى تشويه وجهها المشرق ، وفي الوقت الذي تتبدى لنا مصطلحات مختلفة ومتعددة للثقافة في الاتجاه الاخر، كالثقافة السطحية الثقافة المدمرة ، الثقافة الرجعية والثقافة المريضة وهكذا تتعدد المسميات ويمكننا ان ندرك ان لمصطلح الثقافة وجهين مختلفين فكما هي في الايجاب تكون في السلب وتكون كذلك في الارتقاء وفي الارتخاء ، ولن اتطرق الى تعاريف مختلفة في هذا الجانب عن الثقافة سواء على المستوى القاموسي ، او المستويات الاخرى المتعددة في المعاني والدلالات وفقاً لسياقها المندرجة فيه ، وما أود الإشارة اليه في هذا الحوار الهادئ هو معنيٌ بتلك الفئة التي تحاول أن تؤثر في أنماط حياتنا الثقافية وفق مفاهيم تمليها اذهانهم اما بتهريج سطحي ليس له علاقة بالحقيقة والواقع ، او انها تتقمص هيئات غربيّة ودخيلة علينا لا تتفق على الأقل مع أنماط الحياة السائد عندنا وفقا لمقاييس الموضة، حيث تندفع بغفلة في مسارب التقليد الاعمى اما في الحديث وأسلوب الكلام من خلال بعض المصطلحات الغربية ، أو في الشكل العام والازياء والملابس وغيرها من الأنماط الوافدة ، وهذا لا يعني الرفض القطعي للعولمة او تجريدها من الإيجابيات فقد عززت العولمة الجوانب العلمية والمعرفية وانعشت جوانب كثيرة في الاقتصاد ، فليس كل وافد يجب ان ننكره ، بل انني ادعوا الى التفاعل بإيجابية في التلاقح الثقافي والقبول الواعي الذي يندرج في اطار مستنير يدرك مخاطر الانزلاق والوقوع في وهدة الثقافات الدخيلة والاستلاب الثقافي الذي سوف يؤثر سلباً على سير حضارتنا وطمس الهوية وانساقها الثقافية، فالوقوف على تخوم الخصوصية لاشك يمنحنا كمال الشخصية المستقلة ، والرائي الذي يعيش الأنماط المختلفة يُشكل عليه ازدواجية المعايير وتلتّبس عليه الأمور، كيف لنا ان نعيد وهج الماضي من واقع الجغرافيا التي لاتزال نابضة بالحياة في الوقت الذي لايزال فيه مقدم البرنامج او متصدر المشهد أيا كان متجرداً من ملامح التاريخ وعظمة الماضي ؟ سؤال مشروع ويحتاج الى إجابة من معدي البرامج الإعلامية وناشطي الاعلام الجديد ومتصدري منصات برامج التواصل الاجتماعي وحتى الانسان البسيط الذي هو الاخر تقع عليه مسئولية تجاه الهوية الثقافية ، فضلا عن غيرهم من النخب أو حتى مشاهير الوسائط الرقمية التي تتصدر المشهد عنوة لغايات مختلفة وهنا تتعاظم المسئولية وعلينا جميعاً ان نحضر ضمن المشهد ليتم إيصال رسالة للوطن وانسانه ، اما باستدعاء الماضي او توظيف الحاضر او التطلع للمستقبل وهذا افضل بكثير من سلبية المتلقي العاجز، اليوم ونحن نقفز بوثبات عالية ونقف في الصدارة ونؤثر بفاعلية في الساحة الأممية ، علينا ان نحافظ على الهوية بطابعها الخاص ، وهذا ما يجعلنا نمتاز عن غيرنا ، ومع مرور الأيام سنكتشف ان هناك ارثاً حضاريا كبير ومفاهيم قيمية غائبة عن الكثير من شعوب الأمم ، الامر الذي سنجد من متوالياته الكثير من الاتباع طواعية نظرا لروعة مضامين جوهر ارثنا الثقافي والحضاري الذي ارتكز على قاعدة عريضة تحفز للإنسانية والحياة وحاثة على النقاء والارتقاء وبكل اوجهها الفكرية والثقافية والوقوف على خط الصدارة ومن منطلقات ( كنتم خير امة) فاذا ما تمثلنا ذلك بثقة ووعي لكل موروث ثقافي فان الكثير من المجتمعات سوف يشيد بتلك الانماط وسرعان ما يتأثر ويستجيب لها كونها ستضيئ جانبا معتما ، وتضيف قيمة حضارية ، وتحقق معنىً سامياً في الحياة ، اليوم ونحن نعيد بعض أنماط الحياة القديمة على بساطتها وتواضعها جعلت الاخر ينظر بعين القدر والاجلال وهنا يكمن معنى الحضارة التي هي ثمرة جهد الانسان ويندر في اطار ذلك القيمة الثقافية التي جعلت الفارق الثقافي وتباين ابعادها بين مجتمع واخر، فعندما تلتقي قيم المجتمع مع القيم الثقافية الأخرى وتستدعى بوعي نحو اهداف مرجوه فإنها سوف تحقق معرفة للإنسان ونهضة للوطن مع الحفاظ على كيانه وسماته وخصائصه
انني لازلت ادعوا الى التعايش والتفاعل المستمر دون انصهار او ذوبان في ثقافة الاخر وعلينا ان نحقق الاستقلالية التامة لاسيما في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا ونحن ضمن القرية الكونية في الوقت الذي لا يمكن ان ننعزل عن العالم او نقيم سياجا حول المجتمع ، ولكن علينا الحفاظ على الهوية والتعايش مع الاخر بوعي وتوظيف كل الطاقات واستغلال كل المنابر من اجل الحضور وتعزيز الهوية الثقافية فمتى ما تمسكنا بذلك كنا أكثر تأثيرا من غيرنا نظرنا لما لدينا من معانِ وقيم ويمكن بكل يسر وسهولة ان تشيع في كل الأوساط الاجتماعية مع احترام وافر لشخصينا واستقلال خصوصيتنا … والى لقاء
0