أ.د. عبدالله عيضة المالكي

خاطرة سردية

عن حال الجار في عصر العولمة ،
وخرسانية الجدران الصامتة.

حالنا اليوم مع الجوار في الأبنية الخراسانية المعاصرة الصامتة يستدعي منا الوقوف وقفة تأمل ومراجعة ، وقفة نعود بالذاكرة فيها لزمن غير بعيد ، زمن التسعينات هجرية كمثال.
ذلك الزمن الجميل الذي أدركته أنا ومن هم في الستينات من العمر مثلي .

سواء في القرى وحواري المدن القديمة كنا نستشعر أجواء اجتماعية للجوار.
قد اكتنف الجيران الود والحب والوئام ، والتراحم والتواصل والحميمية الصادقة ، بصورة لاتكاد يتصورها مخيلة النشئ الجديد المعاصر .
فكأن أهل القرية أو الحارة أهل بيت واحد لأسريتهم ووحدتهم الترابطية فيما بينهم .
من طرف القدر يصل الزاد إلى الجار.
ومن طرف الكساء يصل القماش إلى الجار.
ومن طرف السقاء يصل الماء إلى الجار.
ولو من سلب شاة أو بعضاً من صيد الطيور ، الجار القريب له من مرقه نصيب.
يخيل إلى الذاكرة أن ذلك أشبه بالمدينة الفاضلة الإفلاطونية ، أوالمدينة المنورة المحمدية.

الحارة أو القرية ، عدد بيوتها قليل وأحجامها صغيرة ، لكن نفوس أهلها كبيرة ومشاعرهم عظيمة.
لايتسرب إليها القلق ولا الإكتئاب.
لاتعرف الهموم ولا الحسد ، ولا الجشع إلا ماقل وندر من الضعيفة منها.

شعارهم : التراحم والقناعة ، ودثارهم الحمية والشهامة ، ورسالتهم التضامن والتكافل والتكامل.

نفوسهم جميلة ،،،
وقلوبهم عظيمة ،،،،
وحتى أجواؤهم عليلة ،،،
أمسياتهم وقيلولاتهم سعيدة ،،،
كلامهم موزون ،،،،
وبعبارات التلطف .

يقدرون مشاعر الآخرين الذين هم دونهم في الماديات ، لا يكسرون لهم قلباً ولا يجرحون لهم مشاعر.

الجار له مكانة عظيمة في نفوسهم ، يهدونه من طعامهم وثيابهم وحليهم بلا منة ولا استنقاص.
يزورونه إذا بعد ، ويعودونه إذا مرض ، ويسألون عنه إذا غاب.

حياتهم ووسائل ترفيههم بسيطة.
مذياع صغير تكون عليه جلسة السهرة لسماعه ساعة أو أقل منها.
ضياؤهم : فانوس أوقنديل أو حتى ضوء القمر المنير.

يفترشون بطحاء أسطح المنازل ( الدارة ) أوأحواش البيوت المتواضعة.
وفي جزء من الشارع تقام مناسباتهم السعيدة ، والحزينة.

جاري المعاصر :
لم الجفاء ، ولم الاستخفاف وعدم السؤال.
إذا سلمت عليك ياجاري أشعرتني نظراتك بالحرج والغربة ، تردأحياناً ، وتجفوأخرى ب ( من متى المعرفة !!! ).
أنا جارك الملاصق.
بابك مقابلاً لبابي منذ سنين ياجار.

ياجار :
أنا وأنت وصية جبريل عليه السلام لنبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم .
فلنكن أمناء على الوصية ، لتعارف وتراحم وتواد ، وسؤال عن الحال.

أ.د. عبد الله عيضه المالكي

كاتب وباحث أكاديمي .. عضو هيئة تدريس سابق بجامعة الطائف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى