سلام يامدير السنترالي
والهاتف اللي من مكان إلى مكاني
بهذا البيت استقبل شاعر نبطي المسؤول عن توصيل خطوط الهاتف للقرى المجاورة لمكة المكرمة فرحًا بهذه الخدمة التي تربطهم بالعالم، كان الهاتف سابقًا في مراكز تابع لإمارات المناطق، ويوجد به مأمور السنترال الذي يقوم بخدمة الأهالي ومسؤول المركز المعين من الدولة، ومهمة هذا المأمور عظيمة، كان يمثل عصب اتصالات الدولة، وعمله دقيق يمتد إلى ساعات متأخرة من الليل، وهو في يقظة تامة ينقل فيها الوقائع والأحداث للمسؤولين أولًا بأول، هذا الموظف الصغير في مرتبته، الكبير في عمله، والعظيم في مهامه، الساهر على قومه، والمضحي بصحته، الذي أخذ السنترال سمعه، وكان سببًا في صممه، أين هو ومن يذكره ؟ كذلك
ابن عمه، والذي على شاكلته ساعي البريد الذي يطوف المنازل والدور، والمرافق العامة والخاصة في الشتاء القارص، وفي الصيف الملتهب ينقل الرسائل في غياب الهواتف، الذي لم يذكر اسمه إلا في أغنية شعبية تقول:
كلمة ولو جبر خاطر، ولا سلام من بعيد
ولا رسالة ياهاجر من يد ساعي البريد.
ما نصيبه في الوقت الحاضر ؟
إن مأمور السنترال وساعي البريد، كانا سببًا في حضارة الأمم وتقدمها في البدايات الأولي من القرن الحالي، ولولا هذا الرهط ما وصلنا للتطور الذي نحن فيه الآن، والذي حذا بي للكتابة عنهما، هو حديثي مع أحدهما الذي أخذ السنترال ريعان شبابه، الذي قال لي باختصار: أخذ السنترال مني السمع وأعطاني معارف كثر، وثقافات متنوعة، والجميل فيه أنك تشعر بالراحة في خدمة المجتمع، والسيئ منه مناوبات العمل التي تسبب حالة نفسية للمأمور، وطول الوقت تعمل، وفي معصمك الكلبشة، وفوق رأسك كماشة السماعتين لا تستطيع الحركة، ولا القيام بشيء، ويقول المفروض على المأمور بعد خمس سنوات يحول إلى إداري حاله حال الطيار الذي يحول بعد مدة من طيار جو ي إلى طيار أرضي، ولكن فاتت علينا سابقًا، واليوم ليس لنا وجود أو ذكر.
لا أخفي على القارئ الكريم أني تألمت من صهيل هذا البطل، ومن معاناته المريرة، وذكرياته غير السعيدة؛ لذا أتمنى على وزارة الاتصالات أن تكرم هذه الثلة المباركة عرفانًا منها بفضلهم وعلو شأنهم، وتُعيد لهم الأمل في الحياة، وأن تدعو لمن مات منهم بالرحمة، ومن عاش منهم بالمغفرة، والصحة، والعافية، ورضا الله في الدنيا والآخرة.
