د. عبدالله العساف

من قتل هشام الهاشمي؟

قال صاحبي: كان السؤال الأبرز بعد صدور تقرير الاستخبارات الأمريكية، هل ستتأثر العلاقات السعودية الأمريكية؟، وما السبب في إعادة فتح ملف خاشقجي بعد كل هذه المدة؟

أولًا وقبل كل شيء، علينا أن نعود لمنطوق التقرير الاستخباراتي، إن جازت تسميته بتقرير، فهو تحليل انطباعي، يمكن الاستدلال عليه من مدلول الكلمات المستخدمة، ربما، احتمال، يُعتقد، يُظن، وكما يقول السادة الفقهاء: “كل ما يتطرق إليه الاحتمال، يبطل به الاستدلال”، إذن هو يحمل عوامل فنائه، وفساده من مضامينه الظنية، التي أظهرت خندقًا من الأكاذيب والتضليل يصعب، تجاوزه، أو التسليم به، فالكلمات الجميلة، لا تقول الصدق حتى وإن كسيت حلة بهية من القيم الإنسانية.
وأما العلاقات بين الدول فتمر بمنحنيات وتعرجات، ولا تستمر على وتيرة واحدة، وقد مرت العلاقات السعودية الأمريكية بمنحنيات خطيرة خلال التسعة عقود الماضية، لكن العلاقة بين الحلفاء ما تلبث أن ترمم نفسها، وتعود لسابق عهدها، فكما أن الرياض بحاجة لواشنطن، كذلك واشنطن بحاجة لدولة ذات مواصفات خاصة لا يمكن أن تتوفر إلا في السعودية، فهي بلد يتمتع بثقل سياسي وروحي واقتصادي، وتنتهج سياسة ثابتة ومتزنة، وهذا النموذج تبحث عنه الدول في علاقاتها فهو يريحها ويحقق مكاسب للجانبين، ولأن الرياض وواشنطن يجمعهما حلف استراتيجي فهما تعملان بصمت على تمتينه؛ لمواجهة التحديات المشتركة، وتكثيف الجهود للتعاون في مختلف الملفات والمواضيع ذات الاهتمام المشترك بما يحقق مصالح البلدين.

وعلينا أن ننظر للموقف الأمريكي من زوايا مختلفة، فهل هو إما صادر عن موقف انتخابي، أو نكاية بالإدارة السابقة، أو هو ذو بعد استراتيجي، فإن كان موقفًا انتخابيًا فهو موقف عابر، والسعودية تدرك هذا البُعد، لكنها لا تسمح بالتجاوز عليها فلهذا البعد حدوده التي يجب التوقف عندها، وإن كان نكاية بالإدارة السابقة فهي بادرة سوء حلت بالإدارة الأمريكية!!، دولة المؤسسات، وستؤسس لسوابق سيئة كلما جاءت إدارة لعنت أختها ونقضت قراراتها، ما يجعل واشنطن في مهب الريح، خصوصًا والتغيرات العالمية سياسيًا واقتصاديًا، قد بدت بالاستدارة عن بلاد الكابوي، وإن كان الموقف استراتيجيًا، فلا شك أن الدبلوماسية السعودية تمتلك الأدوات المناسبة للتعامل معه، وأمريكا تدرك هذا جيدًا، والمواقف السعودية خير شاهد.

وهنا قد يتكرر السؤال التقليدي، أيهما أنسب لنا جمهوري، أم ديموقراطي؟ صحيح الولايات المتحدة الأمريكية قادت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبح لها حدود مع جميع الدول، فالعالم دون استثناء دول ومنظمات تتأثر بسياساتها وقراراتها، بل وبتغريدة صادرة من هاتف رئيسها يسهر الخلق جراها ويختصم! ويبقى السؤال هل تتأثر سياسات واشنطن فعلًا بمن يجلس في المكتب البيضاوي؟ قد تختلف الأهداف الخاصة، وتتنوع التكتيكات، ولكن الاستراتيجيات ثابتة، فالمتابع لمناظرة المرشحين للرئاسة الأمريكية يعتقد للوهلة الأولى أن ثمة مشروعين مختلفين، وأنا هنا أتحدث عن السياسة الخارجية، ولكن الواقع أن الجميع يسعى لتحقيق مصلحة أمريكا أولًا، ومصلحة حزبه ومصلحته الشخصية.
إذا فهمنا هذه المعادلة نستطيع أن نقرر أيهما أصلح لمنطقتنا، وقضايانا، فمن يخدمنا ويتوافق مع مصالحنا هو الأنسب لنا، لذا علينا أن نوسع قاعدة علاقاتنا في المستقبل خارج دائرة الحزبين لتشمل صنّاع القرار ومراكز النفوذ، والدراسات، ونوظف قوتنا الناعمة داخل المجتمع الأمريكي بشكل عام، وأن نصم أذاننا عن أصوات اليسار الغربي وأتباعه في المنطقة، فبايدن من الديموقراطيين التقليديين الذين يتبنون السياسة الخارجية للجمهوريين، فهو لا يشكل قلقًا للمنطقة خصوصًا إذا تحرر من بعض أصوات مستشاريه.

قلت لصاحبي:
مضى على حادثة جمال خاشقجي أكثر من عامين، ولا تزال المتاجرة بقميصه قائمة، في الوقت الذي لم يعد يسمع العالم أو يتذكر هشام الهاشمي، ولقمان سليم، رغم أن ماء قبريهما لم يجف بعد!!، لماذا؟

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button