بينما كنت أتنقل بين غرف المحادثات الصوتية على تطبيق “كلوب هاوس” مؤخرًا؛ صادفت صديقي بيتر الذي يقيم بسان أنطونيو بولاية تكساس، قمت بفتح غرفة خاصة، وأرسلت له الدعوة وانضمّ إليّ، وبدأنا في تبادل الأحاديث الودية.
تطرّق بيتر في حديثه للتقرير الاستخباراتي الذي قامت إدارة بايدن بنشره مؤخرًا، وعبّر عن استيائه للمحاولة البائسة من قبل الديموقراطيين للضغط على بايدن لتشويه صورة القيادة السعودية بتقديم معلومات قديمة ومعروفة، وقد سبق اطلاع الكونجرس منذ أكثر من عام على محتوى التقرير المليء بالاحتمالات والتوقعات والتنبؤات دون الاستناد إلى أي دليل.
شرح لي بيتر بأنّ بايدن يعلم جيدًا بأنه قد قام بتصرف غير محسوب، وسيكون له أثار سلبية على إدارته؛ إلا أنه يتعرّض لضغط كبير من قبل حزبه لمحاولة التشفي ورد الاعتبار أمام الجمهوريين بعد الأربع سنوات الترامبية التي شهدت تقارب غير مسبوق بيننا وبين الإدارة الامريكية السابقة.
هناك شريحة كبيرة من الأمريكيين ينظرون إلى الشرق الأوسط غير المستقر فيجدون ثلاثة مشاريع مختلفة؛ أخطرها النسخة الإيرانية وما تنطوي عليه من فكر توسعي، وخطر نشر الأسلحة النووية، وزعزعة الأمن بنشر الفوضى في دول الجوار. يتلوها المشروع التركي، ومحاولة استعادة إمبريالية الماضي الدفين.
وفي المقابل يرون خيارًا ثالثًا، وهو المشروع السعودي الذي يتبنّى الإسلام المعتدل كهوية، يرون مشروعًا سعوديًا تنمويًا وليس توسعيًا، عولميًا وليس انعزاليًا.
بيتر ينتمي لهذه الشريحة التي ترى في سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان القائد القادر على إخراج الشرق الأوسط من واقعه المضطرب إلى آفاقٍ واعدة من شأنها أن تحقق الاندماج الكامل للمنطقة في أسواق العالم الرأس مالي، وتحقيق العدالة الاجتماعية للأفراد؛ وبالتالي تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس.
الانطباع الموجود لدى بيتر يعدّ أحد أشكال القوة الناعمة السعودية؛ لأن بيتر أتيحت له الفرصة أن يقضي سنوات طويلة مع السعوديين كزملاء دراسة وأصدقاء تربطه بهم علاقات مودة واحترام متبادل؛ فإنه لا يتوانى عن الدفاع عن السعودية والسعوديين في مثل هذه المواقف الصعبة، ويكون أحد الأصوات الممثلة لنا في الولايات المتحدة الأمريكية.
أرى أنه قد حان الوقت لإطلاق مشروع دبلوماسية عامة وطنية بهدف الوصول إلى قلوب الأمريكيين، وتحقيق تقارب بيننا وبينهم على مستوى الشعبيين الشقيقين، وعدم الاكتفاء بالعلاقة على المستوى الحكومي والتجاري، وكما يوصي جوزيف ناي؛ فإن القوة الناعمة يجب أن ترتكز على عنصر الجاذبية الاجتماعية وعلى استغلال القيم الثقافية؛ بدلًا من الاقتصار على الدور الحكومي والتجاري. أي أن تلعب القوة الناعمة دورًا تكميليًا بجانب القوة العسكرية والاقتصادية، وبإمكاننا أن نقوم بهندسة وتصميم تلك الهوية السعودية التي نريد تصديرها للخارج.
العلاقات السعودية الأمريكية علاقات قوية، ولها تاريخ طويل منذ أن التقى المؤسس المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز آل سعود بفخامة الرئيس الأمريكي فرانكلين دي روزفلت، ولكن هذه العلاقات كانت مقتصرة على المستويين الحكومي والتجاري فقط.
حتى هذه اللحظة، لم نكن نحن السعوديون كشعب، نفهم كيف يفكر الشعب الأمريكي. كانت هنالك مبادرات سابقة من قبل الإعلام السعودي أو من قبل مبتعثين سعوديين للتواصل مع المتلقي الأمريكي. أي أنه لم يكن هنالك تقصير في بذل الجهود، ولكن كان هناك قصور في القدرة على تحقيق الفاعلية في خلق الانطباع المراد تحقيقه لدى الأمريكيين. وهذا سببه أن الرسالة كان يتم صياغتها بعقلية سعودية محلية لم تتعرف على الآخر؛ فينتهي بها الأمر إلى تقديم رسالة لا تتناسب مع عقلية المستقبِل، بل قد تكون ذات تأثير سلبي مسيء للمملكة في بعض الأحيان.
أذكر لقاء فيديو لوزير الخارجية السابق “عادل الجبير” كان يرد فيه على اتهام المذيع للمملكة بالتشكيك في نزاهة نظامها القضائي، استخدم الجبير في حديثه عبارة:
Checks & balances
قد يظن غير المتعمق في الثقافة الأمريكية أن “الجبير” استخدم العبارة تلك لمجرد الاستخدام اللغوي للعبارة، ولكن المتخصصين في الشأن الأمريكي يعلمون أن هذه العبارة لها تاريخ طويل يعود إلى فترة الآباء المؤسسين، وهي مأخوذة مما يسمى بالأوراق الفيدرالية التي كانت أساس تكوين الدستور والنظام السياسي الأمريكي. لذا؛ فإنّ “عادل الجبير” يقصّد أن يستخدم هذه العبارة لترك انطباع محدد وتأثير قوي على المتلقي الأمريكي سواءً كان من صنّاع القرار أو إعلامي أو على رجل الشارع الأمريكي.
استطاع “الجبير” من خلال معرفته العميقة بالفكر الأمريكي أن يفرض احترام المملكة على الأمريكيين.
انطلاقًا من كوني أحد منسوبي التعليم العالي بالمملكة، أدعو الجامعات السعودية إلى التأسيس لبرامج تعليمية متخصصة في الدراسات الأمريكية، كما هو موجود في جامعات الدول التي تربطها علاقات استراتيجية من الولايات المتحدة كفرنسا وبريطانيا.
هذه البرامج تناقش التجربة الأمريكية بجميع النواحي بما فيها: السينما، والدين، والموسيقى، والفلسفة الفكرية، والصراع العرقي، والهجرة، والتاريخ الأمريكي ككل، وغير ذلك.
هذا من شأنه أن يؤدي إلى نتائج إيجابية في العلاقات السعودية الأمريكية على جميع الأصعدة، بما فيها تتويج جهود الشراكة السياسية والاقتصادية التي تجري على المستوى الحكومي، وأبعد من ذلك. تأكيدًا على أهمية مد هذه الجسور الثقافية بين الشعبين قالت سمو الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان في لقاء لها مع صحيفة أمريكية، “نريد علاقات مع واشنطن أبعد من النفط ومكافحة الإرهاب، لتصبح شراكة في الأعمال، والثقافة، والتعليم”.
——————————
عضو هيئة تدريس بجامعة طيبة
مقال ممتاز بطرح جديد اتمنى توضيح آليات التاثير الممكن في المجتمع الأمريكي في مقال اخر
في رأيي .. ان الأمر الذي لا يجعلنا نتوجه للقوى الناعمة ان سياسة المملكة تتسم بالوضوح و الحكمة والحزم. لذلك نحن في وضع قوة لا تستوجب منا الالتفاف الى القوى الناعمة وغيرها. نحن لسنا في موضع ضعف للتشبث باثبات صورتنا الحقيقة عبر الاعلام ولهذا الواثق من خطاه يمشي ملكا ولا يلتفت للوراء.
توجهاتنا وثقافاتنا تنتشر تلقائيا بين الحكومات رسميا وبين الشعوب عفويا.
من أراد الحق سوف يعرفه، ومن اعرض عنه فلا يحيق المكر السيء الا بأهله. لذلك عندما تغيب الحقيقة عن الشعوب في هذه الدول، الضرر الأساسي يتم على هذه الشعوب التي تم تجهيلها وليس كما يطمحون.
الاعلام القطري بقنواته الانجليزية وغيرها من القنوات الاخرى مثل CNN وغيرها من الصحف والمجلات العالمية لم تضر المملكة يوما بشكل او بآخر.
وهذا دليل ان القوى الناعمة هي قوى ضعيفة تبعاتها هي فقط انفاق الأموال لتثقيف شريحة كبيرة من الناس تتسم بسهولة التلون والاقتناع بأي خبر كان والوقوف مع الاقوى رغبة في التشجيع والاثارة. لذلك، انفاق الاموال في تثقيف أناس مثل هؤلاء لا جدوى منه اطلاقا. اضافة الى شريحة كبيرة من الناس يعرفون ان الاعلام يضللهم ولكنهم مستمرون على المتابعه بحجة المعرفه العامة ومعرفة الرأي والرأي الآخر! وما يحدث حقيقة هو العكس حيث يتم تضليل هؤلاء الناس والتحكم في توجهاتهم او على الاقل جعلهم مشتتين جاهلين للحق.
العتب خاصة على الشعوب العربية والمسلمين عامة انه لا يوجد ما يسمى الرأي والرأي الآخر، وانما فقط “سمعا وطاعة” والالتفاف حول القيادة الحكيمة.
انشغالنا هو في البناء والعمار بشكل اساسي بعكس الشعوب المعادية لنا. هذا الذي يحرق قلوب اعدائنا من يريدوننا ان ننشغل بالرد على تفاهات لا جدوى منها بالمطلق.
ختاما .. سياسة المملكة لا تعتمد على الهتافات ورفع الشعارات واثبات الوجود، وانما هي ارقى من ذلك فهي سياسة حكيمة واضحة وحازمه. حفظ الله بلاد الحرمين حكومة وشعبا ??