يُمثل الإعلان قوة اتصالية لا يمكن الاستهانة بها تتعدى الإثارة والجذب أو التسلية إلى ما هو أبعد من ذلك؛ فكثير من الرسائل الإعلانية اليوم باتت محملة بمضامين إقناعية، واستمالات عاطفية تدفع إلى الاستهلاك دفعًا؛ وكأنها مخدر اتصالي لا يمكن الانفكاك عنه، عزّز من تلك القوة التطور التقني والإبداعي في الإخراج والتكاليف الباهظة التي تُصرف على تصميم الحملات الإعلانية وإخراجها فنجد لوحات إعلانية لبعض المأكولات على درجة من الحبكة الإخراجية تستفز غريزة الجوع، وتستدعيها، وإن لم تكن موجودة أصلًا فلا يملك المشاهد إلا التوقف والبحث عن أقرب مكان يقدم تلك الخدمة ناهيك عن الإعلانات المحشوة بكم هائل من الفوائد والإيجابيات والمميزات للسلعة أو الخدمة.
إن بيئة الإعلان اليوم – والتي تتكاثر وتنمو في الأسواق الاستهلاكية التي تصنف المملكة واحدة منها – تحيط بالمستهلك من كل اتجاه، ويعيش في زخمٍ من الإعلانات والضوضاء الاتصالية وشعارات “اشتر الآن، وقبل نفاذ الكمية” ولدت صراعًا نفسيًا لديه بين الاستجابة لها وعدم القدرة على ذلك مما شكل ضغطًا على ميزانية الأسرة وإرباكًا لترتيباتها المالية هذا من الناحية الاقتصادية.
ومن الناحية الاجتماعية قد يتسبب تجاهل المغريات الإعلانية بتبعات مجتمعية ضارة، وقد أثبتت إحدى الدراسات التي أجريت في المملكة العربية السعودية أن 39 % من الأطفال يشعرون بالضيق من والديهم عند رفضهم شراء السلعة المعلن عنها، وتتشكل حالة من التنافر بين أولويات الإباء ورغبات الأبناء.
إن ميزانية الأسرة ماهي إلا واحدة من ميزانيات أسر تشكل جميعًا روافد فرعية تصب في النهاية في وعاء الإنفاق الاقتصادي للبلد وأي خلل في دخل الأسرة ستتبعه سلسلة لا تتوقف من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي كان بالإمكان تداركها، ووضع حدًا للهدر الحاصل فيها.
وفي المقابل فإننا لا يمكن أن نتجنى على الإعلان وتعطيل قيمته؛ خاصة أن المنظمات القائمة على الربحية تجد في الإعلان عصا سحرية تدفع به عجلة المبيعات إلى أقصى طاقتها ورغم إيجابية تعاظم ربحية المنظمات، ومميزات اتساع فروعها، وما يتحقق من نمو اقتصادي تنجر آثاره إلى تقليص للبطالة، ورفع مؤشرات التنمية وقد قيل: (إذا أردت أن ترى سياسة بلد ما فانظر إلى اقتصاده، وإذا أردت أن ترى اقتصاده فانظر إلى حجم الإعلانات فيه) مع ذلك يجب خلق حالة من الاستقرار؛ بحيث تواجه القوة الإقناعية في الإعلان بقوة إقناعيه في التوعية؛ لنصل إلى التوازن المطلوب، وتنشئة المجتمع الواعي بخطورة الاستهلاك غير المبرر، ويتبنى شعارات الادخار والحفاظ على الدخل، كما يقع على المستهلك دور بضرورة ضبط الحالة النفسية تجاه الحملات الإعلانية، ومحاولة التقليل من السلوك المدفوع باتجاهات عاطفية، وتغييره إلى سلوك شرائي أكثر عقلانية قائم على اعتبارات المقدرة، والحاجة، ومقارنة البدائل المختلفة.
– أستاذ الإعلان والاتصال التسويقي