كثيرة هي الجدليات والحوارات بين الممارسين والمعلمين الأكاديميين للإعلام؛ حيث يرى الكثير من الممارسين أن ما يتم تدريسه في أروقة الجامعات بعيد عن واقع العمل الإعلامي وممارسته، في حين يرى فريق آخر من الأكاديميين أن الإعلام وخصوصًا المحلي منه يعمل بفوضوية وتلقائية في غير محلها، ولا يواكب الصناعة وتطوراتها. هي جدلية قديمة أرى أنها لا تغني ولا تسمن من جوع، ولعل الواقع الفعلي يحسم القضية، فلا غنى للمهنة عن الأكاديميين، ولا يعمل الإعلام بلا ممارسين، الدور المفترض الذي تقوم به الجامعات والأكاديميون هو مراقبة بحثية لممارسات صناعة الإعلام، وهو دور محوري ومهم جدًّا في تقييم العملية الإعلامية وتحديد مواطن القوة والخلل، وتقديم توصيات علمية تسهم حقًّا في النهوض بالعمل الإعلامي، هذا بالإضافة إلى تخريج وتدريب الكوادر المهنية التي تراعي التطورات الكبيرة في هذا الحقل المهم، حيث نجد أن كثيرًا من المؤسسات الإعلامية العالمية تعقد شراكات مع الجامعات من أجل دراسة بعض المشكلات التي تواجه الصناعة، والخروج بحلول لها، وهذا هو الدور المعرفي المهم للجامعات في أي من القضايا الوطنية، أو الصناعية، أو الأمنية، وتشمل جميع التخصصات العلمية.
وهذا أيضًا يحسم حاجة الأكاديميين للممارسين، فلا واقع للبحوث الإعلامية دون نواتج الممارسة الفعلية للإعلام، فهم من يخوضون الأزمات ويعالجونها، وهم من يقومون على هذه الصناعة ومنتجاتها، ولا مكان لمخرجات الجامعات من الكوادر البشرية إلا في أروقة المؤسسات الإعلامية، ويكون الدور هنا تكامليًّا بين القطاع التعليمي والمهني في تقييم الممارسة ونقدها، وقياس أثرها على الجمهور بما ينعكس إيجابًا على تطوير جودة صناعة الإعلام في عملية تناغم مهمة جدًّا ذات أهداف مشتركة.
حان الأوان أن نترك هذه الجدليات، وأن تعمل قطاعات الإعلام السعودي بجانب الجامعات وأقسام الإعلام والمراكز البحثية المتخصصة للنهوض بالإعلام السعودي؛ ليصل إلى حجم يوازي التطور الكبير والنهضة الحضارية والثقافية والسياسية المحققة، وليكن الشعار هو «لا إعلام بلا ممارسين، ولا تطوير بلا أكاديميين».
———————-
استاذ الإعلام-جامعة أم القرى