المقالات

الاتصال المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية وبوصلة التغيير الإيجابي

يُعد الاتصال المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية – بشقيه الداخلي والخارجي- أحد أهم التحديات التي تواجه صنّاع القرار لتوجيه المؤسسة نحو الطريق الذي تريد أن تسلكه، وتتميز به في توجهاتها التعليمية والبحثية والمجتمعية إذ تنبثق الأهداف الاتصالية من الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة، ويستلزم تحقيق هذه الأهداف وضع خطط منهجية، وبناء فرق عمل متسقة تتبنى هذه التوجهات، وتعمل على إبرازها إعلاميًّا؛ لتعكس الصورة الذهنية للمؤسسة في المحيط الداخلي والاجتماعي وتوجيه المؤسسة نحو المجالات الي تعزّز دورها.
يتطلب ذلك من أصحاب القرار ضرورة رفع مستوى الوعي في المؤسسة بأهدافها وخططها وقيمها؛ لكسب رضا المستفيدين داخليًّا قبل كسب رضا المجتمع الخارجي. هذا المجتمع الذي ينبغي تفنيده (وضع خارطة الجمهور المستهدف)، ورسم معالم الوصول إليه في التوقيت المناسب الذي يتلاءم مع متطلبات العصر ومستجدات التكنولوجيا.
إن صياغة الرسائل الاتصالية، واختيار قنوات الاتصال المناسبة، واختيار التوقيت المناسب يصل بالمؤسسة إلى منتصف الطريق للظهور والتأثير المجتمعي، ويبقى تحديد أولويات الاتصال المؤسسي الداخلية التي تعتبر العمود الفقري الذي يدعم توجهات المؤسسة، ويحقق أهدافها بطريقة منهجية فهي المحرك الرئيس للعمليات والأنشطة المؤسسية على مختلف المستويات القيادية، ويتطلب ذلك الإجابة الصادقة على هذه الأسئلة الهامة:
1. من المستفيد من وجود المؤسسة؟
2. بماذا يجب أن تعرف المؤسسة نفسها؟ (الشمولية أو التركيز)
3. ماهي ثقافة المؤسسة – ما هو سلوك المؤسسة؟
4. أين تريد أن تصل المؤسسة في خدمة المستفيدين؟
5. متى نريد أن نصل؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة ستساعد الاتصال المؤسسي على القيام بدوره الرئيس “تعزيز الهوية والمحافظة على السمعة المؤسسية”، ينطلق هذا الدور بفعالية عند تمكين قيادات الاتصال المؤسسي من إعادة ترتيب أنشطة المؤسسة، وتنظيمها بما يعكس التناغم في مشاركة المؤسسة في الفعاليات كالأيام العالمية والمناسبات الوطنية، وترشيد دور الجهات في المؤسسة للقيام بأدوارها المسؤولة عنها دون تداخل أو تراخي.
إن نجاح هذا النوع من التنظيم سوف ينعكس جليًّا على تقييم المستفيدين ومشاركتهم في التعافي المؤسسي، وسيكسب المؤسسة رشاقة في اتخاذ القرارات، والحد من المصروفات. إن من أهم الرسائل الاتصال الداخلية تقدير التعاون والتكاتف بين قطاعات المؤسسة وتعزيز ولاء وانتماء العاملين مع تحقيق العدالة وتنمية قدراتهم على المشاركة المجتمعية، إن تنمية الموارد الذاتية والاستثمار المعرفي سوف يجود الحراك الثقافي في المؤسسة، ويساعد على كسب ثقة المجتمع الخارجي بما يعزز فرص التعاون المشترك بين المؤسسة والقطاعات المختلفة.
الاتصال المؤسسي هو القوة الناعمة التي تصنع ثقافة المؤسسة والتي يمكن إنجازها في أربع مراحل متكاملة:
المرحلة الأولى: مرحلة التقييم الذاتي لأنشطة المؤسسة، وتوجهاتها، وممارساتها الداخلية والخارجية في الشؤون التعليمية والبحثية، وخدمة المجتمع وإدارة الأزمات. ويتطلب ذلك أيضًا دراسة رؤية الجهة ورسالتها، وتحليل أهدافها المؤسسية واستعراض أهم المعوقات والتحديات التي تواجهها؛ لتحقيق التواؤم بين رؤيتها وتوجهاتها مع رؤية المملكة 2030م.
المرحلة الثانية: مرحلة البناء والاحتواء ونشر ثقافة أهمية الاتصال المؤسسي في داخل المؤسسة، ويتطلب ذلك إنشاء وحدات للاتصال المؤسسي في الجهات لتأطير دور الاتصال المحوري مع وضع “خارطة الجماهير المستهدفة” وفقًا لطبيعة الجمهور واهتماماته، وتعزيز التواصل مع الجهات الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية والاتصالية؛ لترسيخ وتوطيد العلاقة معها والحصول على دعمها و مشاركتها.
المرحلة الثالثة: مرحلة النمو ونمذجة الإجراءات وتوجيه المستفيدين في المؤسسة؛ لتحقيق رسالتها وأهدافها، ويتطلب ذلك حصر الخدمات التي يمكن للاتصال المؤسسي تقديمها للمستفيدين في داخل المؤسسة وخارجها وأتمتها وإعداد الأدلة الإجرائية والإرشادية للحصول على الخدمات بكفاءة ومصداقية بما ينظم الإجراءات، ويعكس الصورة الذهنية للمؤسسة في موقعها الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي.
المرحلة الرابعة: مرحلة النضج والتقييم وإصدار مؤشرات الأداء وخطط التحسين، ويتطلب تحقيق ذلك وجود معايير تقييم وفقًا لأفضل الممارسات في مجال الاتصال المؤسسي الأكاديمي والمقارنات المرجعية الإقليمية والدولية بما يساعد على قياس مستوى التطور، ووضع خطة لتحسين الأداء المستهدف للمؤسسة، ورفع تصنيفها العالمي كقياس مستوى رضا المستفيدين الداخلي والخارجي عن سمعة المؤسسة وأنشطتها.
إن دور الاتصال المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية يتجاوز الظهور الإعلامي وإبراز منجزات المؤسسة النوعية إذ يعتبر هو صوت المؤسسة وسمعها وبصرها فالاتصال هو البصيرة المؤسسية التي لو فقدتها ستفقد قدرتها على مد جسور التعاون والثقة بين أفرادها، وكسب تأييد وثقة المجتمع الخارجي فلتعمل المؤسسات على استثمار الكوادر البشرية في المؤسسة لترويج منجزاتها النوعية مع ضرورة الارتكاز على القيم الإنسانية المشتركة لتعزيز دور الفرد في خدمة المؤسسة، وتحقيق الاستقرار الاتصالي الفعّال.

————————————

استاذ مشارك في البلاغه والنقد بجامعة أم القرى

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button