هناك الكثير من المفاهيم التي ربما تكون صحيحة في معاني المفردات التي يقصدها الشخص الصادرة عنه تلك المفاهيم، ولكن الخطأ يكون في ترجمة تلك المعاني من قبل المتلقي، وهذا الفهم الخاطئ بدون شك يرجع إلى عدد من العوامل المتعلقة بشخصية المتلقي نفسه، والذي أصبح من خلالها متبنيًّا لتلك المفاهيم بغير مقصدها الحقيقي، ويأتي في مقدمة ذلك عدم التخصص في مجال تلك المفاهيم، كما يلعب مستوى الوعي والإدراك لدى المتلقي دورًا أكبر في ترجمة تلك المفاهيم، وتفسيرها بصورة غير المعنى المراد لها؛ وفي أحيانًا كثيرة ترجع الأسباب إلى عدم مناسبة تلك المفاهيم لأية بيئة أخرى سوى البيئة التي انطلقت منها، وسوف نورد نماذج لبعض المفاهيم على سبيل المثال لا الحصر؛ وبخاصة أننا نعيش هذه الأيام بعض المناسبات ذات العلاقة بتلك المفاهيم ومنها:
يوم الأم.. هو ابتكار غربي ظهر حديثًا في مطلع القرن العشرين، برغبة من المفكرين الغربيين لتكريم الأمهات، وقد ظهر الاهتمام بهذا اليوم بعد أن وجد المفكرون في الغرب أن الأبناء في المجتمعات الغربية يهملون أمهاتهم، ولا يؤدون الرعاية الكاملة لهن، فأرادوا أن يجعلوا يومًا في السنة لتذكير الأبناء بأمهاتهم، ثم اتسعت لاحقًا دائرة الاهتمام والاحتفال بهذا اليوم حتى صار يحتفل به في أكثر دول العالم، وفي أيام مختلفة من العام. لكن احتفالنا بهذا اليوم يجب ألا يكون من باب (مع الخيل يا شقراء)، كما يجب ألا يفهم شبابنا بأن نكون مثل تلك المجتمعات؛ ونصبح مطالبين بتذكر الأمهات فقط في ذلك اليوم المسمى بيوم الأم، فنحن كشعوب إسلامية مطالبون ببر الأم طوال أيام السنة بل وطوال العمر. وكذلك الحال فيما يخص الأب فينطبق عليه ما ينطبق على الأم فبر الوالدين واجب على الأبناء طوال حياة الوالدين وحتى بعد وفاتهما؛ وقس على ذلك بقية أيام المناسبات المختلفة؛ فحقوق المعلم أكبر بكثير من أن نختزلها في يوم واحد، فاحترام المعلم وتقديره يجب أن يمتد طيلة أيام السنة بل ومن واجبنا الوفاء له طيلة العمر؛ بالدعاء له كأقل تقدير، فقد كاد المعلم أن يكون رسولًا.
اليوم العالمي للسعادة.. منذ2013 بدأت الأمم المتحدة تحتفي باليوم العالمي للسعادة معتبرةُ ذلك الطريقة المثلى للاعتراف بأهمية السعادة في حياة الناس في كافة أرجاء المعمورة. كما دشنت الأمم المتحدة )17) هدفًا للتنمية المستدامة؛ يُراد منها إنهاء الفقر وتقليص درجات التفاوت والتباين وحماية الكوكب، وهذه تمثل في مجملها جوانب رئيسة يمكنها أن تؤدي إلى الرفاه والسعادة؛ وحيث تحرص كثير من مؤسساتنا مشكورةً على الاحتفال بهذه المناسبة؛ لكن هذا الأمر لا يستلزم منها المبالغة وممارسة دور هيئة الترفيه في هذا المناسبة، بل إن أهم ما نحتاجه قبل ذلك هو تلمس المصادر الحقيقية للسعادة والبحث عن أسبابها لنتمكن من توفيرها ومن ثم نغرس فعليًا من خلالها المعنى الحقيقي للسعادة في نفوس موظفينا؛ فنكون بذلك قد زودناهم بالوقود المحرك لعطائهم طوال العام، وبعد ذلك من حق الجميع الاستمتاع بهذا اليوم وممارسة مختلف الأنشطة الترفيهية بدءًا بتحديات المصاقيل وانتهاءً بمنافسات دوري أبطال الكيرم، فبكل تأكيد إن تأمين كافة عوامل السعادة الحقيقية للموظف على أرض الواقع يكفل أن يكون الجميع قلبًا وقالبًا مع الاهتمام بمثل هذه المناسبات، والكل سوف يسعى إلى خلق جو من المتعة والمرح للاحتفاء والتذكير بأهمية ومكانة وقيمة المحتفى بهم، فمن غير المعقول أن يطلب الأب من أفراد أسرته الاحتفال وإظهار معالم الفرح والسرور في يوم العيد دون أن يؤمن لهم احتياجات وكسوة العيد.
الساديزم.. مرض نفسي عندما يصيب الإنسان يجعل غايته إيذاء وتألم الآخرين، ولا يشترط أن يكون تألم الضحية بسبب التعذيب الجسدي فقط كما هو الاعتقاد الخاطئ لدى البعض، بل ربما يكفي المريض بحالة الساديزم أن يرى الطرف الآخر يتعذب نفسيًا واجتماعيًا، فهو يهيئ كل الوسائل الممكنة لإذلال الآخر والشعور بألمه، والأخطر من ذلك إن المصاب بمرض الساديزم يعاني من الإحساس بالضيق والقلق الدائم عندما لا يرى الآخر يتعذب ويعاني، فلا يهدأ له بال، ولا يستقر له حال، ولا يهنأ له عيش إلا عندما يطوع كافة السبل لإيلام الآخرين؛ حيث أصبح هذا المرض لدى صاحبه أسلوب حياه غايته التلذذ بألم الآخرين. وربما يتساءل البعض لماذا اخترت مصطلح الساديزم ضمن هذه النماذج، وأقول إن خطر هذا الداء يهدد كافة أنواع العلاقات وتأثيره معطل لكل المناسبات؛ الأمر الذي يحتم علينا التعرف على هذا الداء عن كثب، ويزداد حجم المشكلة وتصبح أكثر تعقيدًا عندما ترتبط مجبرًا بعلاقة عمل أو أية علاقة في الحياة الاجتماعية مع شخص تجتمع بداخله الشخصيتين السادية إضافةً إلى النرجسية؛ مما يعني استحالة أن تقوم لسعادتك قائمة، لذا يجب عليك تثقيف نفسك بشكل أكبر وبصورة مستمرة حول التعامل مع هاتين الشخصيتين؛ لتتمكن من حماية نفسك.
الإدارة علم وفن.. فالإدارة علم كونها تعبر عن مجموعة عناصر وأنظمة وقوانين ونظريات ومبادئ، يلزم على الفرد استيعابها سلفًا، حتى يضع كل شيء في موضعه عند ممارسة مهامه العملية، ثم يأتي دور الفن، وهو الكيفية في التطبيق التي تعتمد على الموهبة الشخصية والخبرة والتجربة العملية والمهارة الفردية، والقدرة على تحليل المشكلات واستنباط الحلول المناسبة لها. لكن وبكل أسف هناك من يعتقد أن الإدارة (كعلم) مجرد شعارات رنانة وعبارات فضفاضة يتم التعبير عنها بكلمات مطاطية تُصاغ كرؤية ورسالة للمؤسسة، ثم يتم بعد ذلك كتابة أهداف غير واقعية يتم نسيانها قبل أن يجف حبر كتابتها، ثم يأتي بعد ذلك ليعبر لنا عن مفهومه للجزء الثاني من المقولة؛ الإدارة (فن) بأن المقصود هو الترنم على البانه والدندنة على أنغام الموسيقى التي تصدح بها جنبات المؤسسة.
خير الكلام:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جَزَعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا).