ناصر محمد العُمري

المسرح في عام ٢٠٥٠

مدخل :
قد لايروق هذا الطرح الذي أتناوله لطيف واسع من عشاق المسرح ومن ينظرون له كإرث فني وثقافي جاد ويجب حمايته من هذه الأفكار التي ستدمر شكل المسرح ، هذا رأي محترم وأصيل وجاد ونابع من عشقهم الحقيقي والصادق للمسرح لكنه ليس القول الأخير في مسألة التمسرح .

استشراف :
ما أكتبه هنا هو استشراف لشكل المسرح بعد 20 أو 30 عاماً مالم تسارع التحولات العاصفة والمتسارعة جداً باختصار الزمن .

اعتراف:

أعترف أن المسرح إرث عظيم وخالد وعزيز على نفوس عشاقه. ولكنه ليس بدعاً ولا هو في منأى عن التغيير فهو – ككل الأشياء- يجب أن يواكب قوانين تطور الحياة،

واقع :

التقنيات الحديثة آخذة في الصعود على خشبة المسرح وشيئًا فشيئًا تشكّل واقعًا فنيًا جديدًا هو مزيج من روح الفنون بما تحويها من أصالة والمؤثرات الحديثة بما فيها من تقنيات وإمكانيات تغير معها وجه المسرح والعروض الفنية اليوم لم تعد كما كانت بالأمس ، ولأننا نتوجه بالفن لجمهور القرن الحادي والعشرين المتماهي مع التكنولوجيا والذي لا يبدو مستعدًا لتقبل الرائحة العتيقة لخشبة المسرح الكلاسيكية مرة أخرى، خاصة بعد أن وجد ضالته في الفنون بشكلها الجديد المتسربل بالتقنيات الحديثة ، من هنا فالمسرح مرشح للتغيير في بنيته وشكله وأنماطه وطرق تقديمه كفن

مشاهدات :

الفن والتشكيل والتعليم والصحة والترفيه والألعاب والصحة وكل المجالات حولنا طالتها الرقمنة وأثرت فيها بل وأثرتها ، فأصبحنا نرى لوحات وفنون الضوء والديجيتال والمعارض الإفتراضية والأدب الرقمي والرواية الرقمية باتتا واقعاً فيما عالم الألعاب والتعليم يشهد تحولات في ظل الواقع المعزز تجعل من اتخاذه أشكالاً جديدة مجرد وقت لا أكثر أما عالم الألعاب فصناعة ازدهرت وشهدت طفرة في ظل الرقمنة .

(نتيجة ) :
المشاهد الرقمي في عام ٢٠٥٠ سيصبح صعباً جداً بل قد يكون مستحيلاً إذا كنا سنخاطبه بأدوات الأمس ، فلا شيء قادر على إثارة دهشته بعد أن رأى كل شيء على شاشاته الذكية، وهذا الواقع بدأ يتشكل من الآن بل بات ضاغطاً كتوجه ، وهو يستمد وجاهته من سيرورة الفنون واتخاذها منحى جديدًا قد لا يمكن معه الرجوع إلى الوراء.

تاريخياً :

مكمن التحدي هو كيفية الوصول إلى التوافق المناسب بين الفنون والمستجدات الحديثة ، وفي كل مرحلة كان السياق الطبيعي للأمور هو الاندماج وكانت مواكبة الأنماط الثقافية والذهنية الجديدة للجماهير واقعاً ،فجيل الكهرباء والإضاءات لم يشاهد عروضاً مسرحية يغيب عنها الضوء بل أصبحت الإضاءة المسرحية أحد المجالات التي أضافت للممارسة المسرحية جمالاً وأفقاً ودهشة ، وكذلك الحال بالنسبة للمؤثرات الصوتية واللقطات السينمائية وشاشات العرض
وفي ظل التطور التكنولوجي الذي بدأ دخوله عالم الترفيه والبث التلفازي والسينما ، فاستيعابه يدخل في نطاقات النزعة التجديدية الطبيعية في الإنسان.

وفي كل مرحلة أومحاولة تجديدية في المضمون كانت النتيجة ظهور أنماط جديدة يحضرني هنا (المسرح العبثي في القرن الماضي كمثال ) . ووجودتقنيات المؤثرات الضوئية والتقنيات ثلاثية الأبعاد والواقع المعزز وغيرها تمثل اليوم المنعرج الجديد ودفقة الأكسجين لفن المسرح حتى يخرج إلى عوالم الجديد ،
بل يمكن القول إنها تمثل (إكسير الحياة) الذي سيطيل عمر المسرح ويعيد له شبابه .
ولأننا نتحدث عن مسرح يتوجه إلى من هم الآن في عمر الخامسة أو جيل لم يولد بعد
والأمور لا تزال في بداياتها، ولكنها البدايات الحتمية التي يجب أن تنبثق حتى نستطيع تقديم مسرح لهذه الذهنية القادمة، فالدخول إلى عالمها يحتاج عروضاً تستطيع أن تحبس أنفاسهم ، وفنوناً حديثة في شكلها قادرة بإثارتها وسحرها على التأثير في جيل البرمجيات والتقنيات الرقمية والتطبيقات .

عالمياً :
بدأت ملامح هذه الموجة في التشكل وأصابت الكثير من النجاحات وقابلت الجماهير بأعمالً، تفيد من هذه المؤثرات التي تلعب التكنولوجيا أكبر أدوارها ويتواجد في الكواليس أجهزة الكمبيوتر وبرمجيات “الجرافيكس” والـ “ثري دي”، وتحركها أصابع بارعة لمبدعين أفرزتهم هذه الطفرة التكنولوجية، بين متحكم في المؤثرات الضوئية ومبرمج للوسائط ثلاثية الأبعاد وكاتب لسيناريوهات الحركات والسكنات ومخرج لكل هذا الزخم. ويتجاوز دور التقنيات في هذه العروض بتأثيث المشهد إلى التفاعل الكامل مع النص ومع الراقصين والممثلين، ومن تلك الأعمال الساحرة (بحيرة البجع لباليه موريينسكي أو كعروض فرقة بيكسل، حيث يقدم الراقصون عروضهم أمام خلفية تسبح في المؤثرات الضوئية والحركية ثلاثية البعد
تساؤل : هل سيطول انتظار هذا الجيل من المتفرجين بولادة خشبة مسرح جديدةتستطيع بأضوائها وعوالمها المتحركة الراقصة ثلاثية الأبعاد أن تجعله يفكر من جديد وأن يطلق العنان لدهشة ستضمن التكنولوجيا استمرارها حتى إشعار آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى