يُمثل الوضع في اليمن الشقيق على المدى المتوسط والبعيد حالة شديدة التعقيد على المستوى المحلي.. أو على مستوى الجوار أو على المستوى الإقليمي .. نتيجة تحالف “الحوثيين” الأيديولوجي” مع إيران من جهة .. وكذلك من جراء أسلوب إدارتهم العتيق لشؤون الدولة اليمنية وفقًا لمفاهيم عتيقة تحكم طريقتهم في بسط السلطة، وإدارة شؤون الناس، وبالذات في حالة تمكنهم من التسلط على مقدرات البلد والناس في أي ظرف من الظروف.
وبصورة أشر وضوحًا .. فإن إيران التي استغلت الأوضاع المتردية في اليمن.. بدء بالصراع بين الحوثيين والرئيس اليمني السابق -علي عبدالله صالح- يرحمه الله.. ومرورًا بتمكين الحوثيين من دخول صنعاء وبذل جهود قصوى لإسقاط شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي.. وإنتهاء بادخال معدات ثقيلة ومتطورة إلى اليمن.. وإرسال آلاف الخبراء لإدارة شؤون المواجهة للسلطة الشرعية -من جهة- ولقوى التحالف المعزز للشرعية من جهة ثانية.. وأخيرًا بتعيين حاكمهم العسكري المعروف بدمويته (حسن إيرلو) بمسمى سفير إيران في صنعاء.
إيران هذه .. بهيمنتها -ليس فقط- على الأرض، وإنما على القرار في يمن الحوثيين .. صارت تمثل مشكلة كبرى أمام الجهود المبذولة؛ لتحقيق السلام في اليمن .. ورفع المعاناة عن الشعب اليمني.
ولست أدري كيف يمكن لمثل الأمين العام ، أو الممثل الأمريكي لدى اليمن (ليندر كينغ) أن يتمكنا من تحقيق أي تقدم يقود إلى تسوية مقبولة من أطراف الصراع في ظل تحكم إيران في قرار الحوثيين.. وقبل ذلك وبعده في ظل سياساتها التوسعية في المنطقة.. وحلم السيطرة على باب المندب للتحكم في المياة الدولية والملاحة في هذه المنطقة شديدة الحساسية؟!!
هذه الحقائق مجتمعة أو منفصلة .. تطرح عددًا من الأسئلة الهامة أمام المراقبين في مقدمتها:
– كيف يتحرر اليمن من الهيمنة الإيرانية؟
– وماهو الثمن الذي سيدفعه اليمن واليمنيون للحوثيين ومن ورائهم الإيرانيين لإحراز تقدم في عملية السلام؟
– وماهي الضمانات المستقبلية لتأمين سلامة المنطقة، وفي مقدمتها دول جوار اليمن.
هذه الأسئلة الكبيرة وغيرها.. لا يبدو أن هناك اجابات واضحة ومحددة عليها.. وقد تكون سببًا في استمرار الأزمات الصعبة سواء داخل اليمن أو خارجه لفترات طويلة، تنتفي معها حالات الاستقرار، وتقتضي فرض واقع جديد على درجه قصوى من التعقيد والحساسية بين اليمن وجيرانه.
.. أقول هذا الكلام، وأنا أدرك أن حالة الحذر والتأهب، وعدم الطمأنينة سوف تستمر سواء داخل اليمن نفسه أو بينه وبين دول الجوار إذا لم ينجح الوسطاء في اسقاط الورقة اليمنية من يد إيران.
.. ذلك أن طهران بما أصبحت تملكه من أوراق إقليمية، ومنها الورقة اليمنية -بفضل تحالف الحوثيين معهم- باتت تعتقد أنها قادرة على فرض شروطها على الدور (5+1) الموقعة معها على الاتفاق النووي، ولا سيما في ظل الرغبة الأمريكية -الآن- في العودة إلى الإتفاق.
.. وبالتأكيد .. فإن هذا الربط بين التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين إيران، وبين الدول الأخرى، وبين الوجود الإيراني في الإقليم.. وفي اليمن بصورة أكثر تحديدًا من شأنه أن يعطل أي تسوية في اليمن على المدى القصير.. وبالتالي فإن الكثير من المؤشرات تدل على أن الوضع غير مهيأ للملمة في المدى المتطور .. وذلك يعني أن اليمن وشعبه اليمن سيعانيان طويلًا مالم يقدم الجميع تنازلات كبيرة.. ومكلفة.. هذا إذا كانت هناك رغبة حقيقية من الوسطاء في إيقاف الحرب في اليمن .. أصلًا ؟!
وليس مستبعدًا أن يكون من الحلول المطروحة غدًا على طاولة المفاوضات -في حالة بدء الحوار الصعب-:
1- استمرار اليمن موحدًا .. مع تمكين شركاء إيران الحوثيين من التحكم في مفاصل السلطة، وفي المنافذ البرية، والبحرية، والجوية بصورة أساسية.
2- عودة اليمن .. إلى اليمنيين.. شمالًا وجنوبًا .. مع حصول الحوثيين على مزايا في الشطر الجنوبي تمكنهم، ومن ورائهم إيران من السيطرة على المنافذ الحيوية فيه.
3- إقامة نظام جديد يكفل حقوق جميع الأطراف في يمن موحد، وقوي وإن حرص الإيرانيون على التواجد فيه بقوة.
.. هذه الصيغ الثلاث.. وكما هو واضح.. لا تحقق الحد الأدنى المطلوب لتأمين السلاح المطلوب لا لليمن وأهله .. ولا للجيران .. ولا للملاحة الدولية على المديين المتوسط والبعيد.
.. هذه الحقيقة .. ورغم مرارتها .. إلا أنها على ما يبدو تمثل الصورة الحقيقية لليمن في المرحلة القادمة وهي ولا شك صورة قاتمة .. وغير مطمئنة لا سيما في ظل التعنت الإيراني للتمسك بسياستها التوسعية بالإقليم.. وهي سياسات يمكن أن تستمر إذا لم يتغير الموقف الدولي بصورة جذرية، وتمارس الدول الكبرى دورًا جادًا وضاغطًا عليها.
.. ولا أكاد أدري أن في الأفق ما يُشير إلى توافق جاء بين هذه الدول على تنحية مصالحها الخاصة جانبًا، وسياستها المتعارضة والمتصارعة في الإقليم حتى نأمل في التوصل إلى موقف مشترك وقوي من إيران، وضد عربدتها في الإقليم وخارجه.
.. وبصورة أكثر تحديدًا فإن صراع المصالح القوى في الإقليم وخارجه بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين من جهة.. وبينها وبين روسيا من جهة يبدو الآن على أشده.. بلد ويدخل مرحلة استقطاب لدول المنطقة وإيران على وجه الخصوص وذلك ما يوسع بين هذه الدول.. ويجعل التوصل إلى قرار قوي وصارم تجاه إيران شبه مستحيل داخل مجلس الأمن.. نتيجة هذا الانقسام الحاد بين دوله الخمس الرئيسية – أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا- وذلك يجعل إمكانية الاتفاق على سلام دائم وشامل وكامل في اليمن عملية غاية في الصعوبة.
.. يُقابل كل هذا رغبة قوية وصادقة من قبل المملكة و دول التحالف؛ لتحقيق السلام في اليمن، والعمل على إخراجه من ازمات .. وانقسامات .. وضمان السلامة لشعبه..
.. فنحن مع كل سلام يحقق اليمنيون ذواتهم، ووحدة أراضيهم، وتأمين سيادتهم الكاملة على كامل بلادهم.. ودون كل شكل من اشكال التدخل في شؤونهم الداخلية وقرارهم الوطني؛ لأن لا مصلحة لنا في اليمن ولا في غيره، ولأن المملكة بسياستها المثالية ليست دولة مطامع أو مصالح .. لكنها وبكل قوة.. ليست مستعدة للقبول بأي وضع يهدد أمنها وسلامتها واستقرارها وتأمين حقوقها ومصالحها، سواءً من اليمن أو من غيره.. واليمنيون قبل غيرهم يدركون أن المملكة قدمت الكثير من التنازلات لبلادهم في الماضي تعزيزًا لسياسة حُسن الجوار، والأخوة المتبادلة وتحقيقًا للتكامل بين البلدين، والترابط بين الشعبين بحكم الجوار وروابط الدم ، والمصالح المشتركة.
.. وعندما طرحت المملكة مبادرتها الحالية لتسريع العملية السلمية، وإخراج اليمن من الوضع الصعب الذي هو فيه، فإنها عرضتها من موقع الأخ والجار والحريص على تجنب كوارث أعظم تلوح في الأفق، وليس فيها أي مصلحة لشعبه على الإطلاق.
.. لكن المملكة وفي كل الظروف لن تكون مستعدة لأي سلام هش يُبقي أسباب الخطر فيه دون حل، ويسمح باستمرار الممارسات الحالية اللا مسؤولة ضد المنشآت الحيوية والأعيان المدنية بالمملكة، بأي حال من الأحوال.
.. والمملكة .. وإن مارست أعلى مستويات الصبر والتحمل؛ رغبة في استمرار اليمن الجار بعيدًا عن الكوارث والأزمات.. إلا أنها لن تقبل بأي تسوية على حساب أمنها وسلامتها.
.. وإذا كانت الأطراف الراعية لعملية السلام جادة في مساعيها لتحقيق السلام في اليمن؛ فإن المملكة لن تتأخر عن التعاون معها في سبيل تحقيق هذه الغاية.. بعد التأكد بأن اليمن خالِ من أي تدخلات أو ضغوط إيرانية من أي نوع كان، وأن أراضيه لن تتحول إلى قواعد ومنصات للخطر على المنطقة بأسرها.