قال صاحبي: الأسبوع الماضي كان حافلُا بالأحداث المختلفة في أهميتها من تحرير السفينة إيفرغفن بعد جنوحها في قناة السويس، وما تبعها من تأويلات متعددة، إلى توقيع صفقة ربع القرن بين طهران وبكين، فما تداعياتها على المنطقة، وعلى الغرب الجانح في مشاريعه كجنوح السفينة القادمة من الصين، وما ترتب عليه من إغلاق شريان حيوي دولي لمدة سبعة أيام حسومًا! فيما لايزال الفايروس القادم من أوهان يغلق العالم حتى اليوم، قالها صاحبي وفي نفسه شيء من حتى!!
دروس التاريخ وعبره ليست مجانية، ولكنها ذهبية لمن يستفيد منها، ورغم وجود المعاهد والمراكز المتخصصة، والعقول النابهة لدى الغرب، إلا أنه لم يستفد منها في بعض الأمور المتعلقة بحاضره ومستقبله، وكأنه مغيب عن الواقع، يجري خلف أوهام وسراب، لن تقوده إلا لضياع الفرص والندم على ما فات، رغم أن الثلاثي الأنف الذكر قد حذر وأبان من هو خصم المستقبل، وكيفية مجاراته، أو حتى تعطيله.
صفقة ربع القرن وقعت في غفلة من الغرب، وجريه خلف أوهام السراب، والتفاهم مع طهران، وقيادتها إلى طاولة المفاوضات، وفق اشتراطاته، بعد تقديم التنازلات وتليين الكلمات، والوعود الظاهرة والباطنة، ولكن الملالي نجحوا في تخدير الغرب، وجرهم إلى مستنقع الوحل الذي لا يجدون السباحة في جداوله، فضلًا عن أعماقه، ثم الالتفاف عليه وركله باتفاق مع خصهم اللدود، والقوة القادمة، التي طوقت العالم وقيدته بخيوطها الحريرية الناعمة.
من الكاسب، ومن الخاسر في هذا الاتفاق، المنطقة، والغرب، أم الصين، وإيران؟ التكهنات كثيرة، لكن طهران نجحت في الخروج من عزلتها، ونجحت في تمكين الصين المتعطش للطاقة من النفط الإيراني، وبهذا جعلت الصين في مواجهة أمريكا، وفي تحويل طريق الحرير إلى إيران لتتحكم في هذا الممر كما تحكمت في مضيق هرمز العربي، وتسعى للتحكم في مضيق باب المندب، بالإضافة إلى تأجير جزر تحتلها إيران للصين؛ لا تطبق فيها تعاليم الإسلام!! الذي يزعم ملالي قم التزامهم بها.
بالإضافة إلى التعاون العسكري، من تدريب وبيع قطع عسكرية، وصيانة، وتواجد خمسة آلاف جندي صيني في إيران، وتحديث وتوفير أجهزة الاتصالات من الجيل الخامس، باستخدام المشغلات الصينية، والاستغناء عن شركات التقنية الأمريكية، والإعفاء من الرسوم والضرائب طيلة مدة سريان الاتفاقية، وبناء وتأهيل عدد من المطارات، مع تقديم الدعم للبرنامج النووي الإيراني.
سياسيّا تم الاتفاق على العمل على أن تدعم الدولتان سياسات كل منهما للأخرى في المؤسسات الدولية، وثقافيًا نجحت إيران في الحصول على موافقة الصين على تأسيس مراكز ثقافية للتجنيد، عفوًا أقصد لنشر التشيع السياسي المسموم، واستقبال مئات الطلاب من الأيغور للدراسة في جامعة المصطفى؛ لنرى غدًا معممي الصين أية الله يونج اون ورفاقه يشكلون امتدادًا لهذا النظام الإرهابي في جنوب القارة العجوز، وفي تقدير أن هذا الخطر يجب عدم إغفاله، أو التهاون به.
من الكاسب ومن الخاسر، ولماذا قامت إيران بهذه الخطوة الاستباقية، وهل باعت سيادتها، ما موقف الغرب، من هذا العمل، ما موقفنا، ما الأضرار المتوقعة علينا من هذه الاتفاقية، كيف سنواجهها، هل سيفق الغرب سريعًا، ويعيد ترتيب أوراقه، وتصحيح مساره؟
قلت لصاحبي:
سيدفع الغرب فاتورة صمته المتضخمة طيلة العقود الأربعة الماضية، وتراخيه مع هذا النظام الثيوقراطي الخارج عن مقتضيات القوانين والأعراف والعلاقات الدولية.
“الصيف ضيعت اللبن”