تختلف حدة الجرائم باختلاف أثرها، فجريمة القتل مثلاً أخذت تلك القيمة من خلال ما يصنعه أثرها ويعقبه خطرها، فإنهاء حياة شخص ما والحكم بانتهاء صلاحيته للعيش، وما يعقب ذلك من مصائب بعضها مُدرك وكثيرٌ منها متخفّي استحقت أن يجعلها الشارع وكأنها إفناء للجنس البشري بكامله (فكأن ما قتل الناس جميعا)، وإنهاء فترة الإحياء التي جعلها الله هي مقصد الاستخلاف بالمقام الأول قبل العبادة، ولو كانت العبادة هي الأصل لما وجد النجدين وخيارات الطريقين.
وليس هذا ما أريد بل إشارة لتسمية دارجة وتلبيس الاسم بمسمي يختلف في المدلول ويتفق في النتائج، وهو تبعية التصور وكيف أصبح جريمة يحاسب على العقل وينافيها العدل قولا واحداً.
لكل منا إدراكه، وبالتالي تصوره، وبالتالي حكمه، فكيف بمن يصنع تصوره بإدراك غيره ويقرر حكمه بتصورات مسبقة الصنع، مكررة الإمضاء.
تبعية التصور تعني إلغاء العقل مطلقاً، ومادام لا يمكنه الحكم فلا أعتقد بأن هناك حاجة له، فوظيفته تغيرت من مقرر وحاكم إلى تابع ناقل، وليس له من الأمر شي، ومن خلال تلك التبعية يكتمل مشهد الجريمة وتتضح ملامح القتل العمد.
“معرفة الأسماء تؤدي إلى معرفة الأشياء” سطحية ربما من زاويتنا ولكن من زاوية أفلاطون تعني الحكم والعدل والانصاف والخير والبقاء والرؤية والحياة، بل تعني كل شي لكل شي وفي أي شي.
هذه الجملة تقيك التبعية وتقيك توابع التبعية من سلالم الجور العالية ودراكات الظلم الغالية، وتفي لك بإنصاف بناه العقل لذاته وشيده الفكر من نواته، إذ لا يعقل أن يتصدر حكماً من حُرِم من المعرفة وفقد التأهيل.
“هذا الرجل فكره في كذا” وهذا “عقليته منحرفه” وهذا “زنديق يبث السم في العسل” وهذا “ليس له من خلاق”، وثال ورابع، وتبقى تصوراً لم يعضده حقيقة التجريب وتتفحصه عدسة الموقف.
لما حكم العامة بحكم بعض الفقهاء في زمن ابن رشد والفارابي وابن سينا وصنع هذا الحكم حاجزاً صلباً بينهم وبين من يحتاجهم لم يكن ذلك إلا تصور تابع، وحكم مستقىً من حاكم أخر وبصرف النظر عما يراه أولئك من انحرافات، فلازال للخير بقية، ولديهم ما يمكن الاهتمام به، بل ونشره وإذاعته.
الجميل في الأمر أننا نعيش زمناً أكثر نضجا، وأكثر سعة لكبح تلك التبعية، ولدينا مقومات الانعتاق من أي تبعية سابقة، بفضل قانون البحث، ووفرة المصدر، ومع ذلك مما ذكرت وتعرفون لازال هناك الكثير ممن حرم التفكير ونأى عن تفتيت كل ما كتب عليه “موثوق”.
أخيرا … إن لم تقم الحجة قديماً على متتبع أعياه الجهل، فقد قامت الحجة في وقتنا هذا، ولا سبيل لسوق عذرك في تأجير عقلك.
0