الخميس الأبيض، تباهى وانتشى بصباحاته، وقلنا، كما قال ابن ثابت: “من هنا توزع أنوار الصباحات”؛
فاهتزت الأحاسيس، وتساقط حُبًّا نديًا؛ فاحتفى المكان، وازدان، باسم الشاعر الراحل -سيد البيد- (محمد الثبيتي)؛ والأجمل أن الشارع يكاد يكون امتدادًا لشارع (هوازن) لولا (قريش)؛ هوازن فاتحة القلب التي ردد سيد البيد، متغنيًا بها، قائلًا:
تفُوحينَ من حُمّى شبابِي قصيدةً
أشاطرها لوني، وشكلَ أناملي
أطارحُهَا الأسماءَ والأحرفَ التي
تصوغُ على وجهي تفاصيلَ قاتِلِي،
وألقِي على أفراحِهَا رونقَ الضُّحَى،
وأسقي مُحيَّاها صباباتِ ساحِلِي
حضرت عاطفةُ المكان لتُآزر ذاكرته.
امتزج اللونان الأبيض والأخضر ليشكلا لوحةً فنيةً، باسمه، كما شكل بكلماته ولغته قصائد ناصعةَ البيان، عميقةَ المعان؛ فتسامت المشاعر، وتهافتت القلوب، وتسابقت الأقلام، لتدوّن أرقى الكلمات، وأعذب العبارات، بين ثناء مُغرِقٍ، وحبّ مغدِق؛ فاعتبق المكان بطيب ذكراه، حتى اكتظت الطائف بالجمال، وأضاءت مواقع التواصل أرجاء الزمان؛ علاقة وطيدة بين اسمه والآخر، كتلك العلاقة بينه وإبداعه، (لغته وشعره).
اسمه “رسم تضاريس شارع في الطائف، كما رسم لنا تضاريس شعره خرائط الوعي بمفهوم الشعر واللغة” كما قال رفيق دربه الفني، د.سعيد السريحي.
رقصت الكلمات- على أنغام اسم سيد البيد (ميمٍ وحاءً وميمٍ ودال)- شعرًا، فترنّم رفيق دربه، دراسيًا، د.عايض بن صافي، وردد منتشيًا:
في شارع محمد رسمتْ التضاريس
دربٍ من الرّدف إلى أول مسرّه،
ودروب، ودّتني للندن، وباريس
ودروب من سِقْط اللّوى للمعرّه
قلت الفضا دربه، وكون النواميس
تبْدَاه بالجُرّه إلى آخر مجرّه
فسيّد البيد خلّد لنا إرثًا فنيًا، فنُقِش اسمه في ذاكرة المكان، فتجمّل به، وتأنّس برسمه، حتى كأنما نتمثّل قوله، مخاطبين إياه: “أنت الذي في عروق الثرى نخلةٌ لاتموت”
فتسامى في سموات الحبِّ قنديلًا مضيئًا.
شكراً، لكل من أرسى سفن عواطفه على ضفاف حبِّه؛ وشكرًا، لكل مَن استمْطر واستدرَّ هذا النّبض.
أخيرًا:
مرحباً سيد البيد- في الطائف-
إنّا نصبْناك فوق الجراحِ العظيمة؛
حتى تكونَ سماؤنا وصحراؤنا وهوانا الذي يستَبِدُّ فلاتحتويه النعوتْ
ستموتُ النّسورُ التي وشَمَتْ دمَك الطِّفلَ يومًا، وأنت الذي في حلوقِ المصابيحِ، أغنيةٌ لاتموتْ.
مرحبًا سيد البيد ….
إنّا انتظرناك ……