اجتمع مدير في إحدى الشركات بموظفيه مع بداية الشهر، وأخبرهم أن هناك مكافأة لكل موظف يعمل بجدية تامة، وينضبط في عمله ويحافظ على أوقات الدوام دون تأخير أو غياب خلال هذا الشهر، ووعدهم أن المكافأة سوف تكون كبيرة؛ حيث سيتم مضاعفة راتب هذا الشهر ثلاث مرات، بمعنى لو أن موظفًا راتبه الشهري خمسة آلاف ريال، فسوف يصبح راتبه خلال هذا الشهر خمسة عشر ألف ريال، علمًا أن هذه الفرصة ستكون مُتاحة خلال هذا الشهر فقط، ثم تعود الرواتب لوضعها الأول في الشهر القادم. هناك موظف لم يأبه بكلام المدير ولم يعير هذه المكافأة أي اهتمام، ولم يسعَ لاغتنام تلك الفرصة، فتقدم للمدير بطلب منحه إجازة لهذا الشهر؛ ماذا يمكن أن نقول عن ذلك الموظف؟!! بالتأكيد سنقول عنه؛ إنه موظف غبي وأحمق، وأقل ما يُقال عنه، بأنه شخص لا يعرف مصلحته؛ لأنه فرط في الاستفادة من هذه المكافأة التي وعدهم بها المدير، بينما كان بإمكانه أن يؤجل إجازته إلى أي شهر آخر من أشهر السنة.
كان ذلك مثالًا ولله المثل الأعلى، ولكن وبكل أسف أن هذا هو حال وواقع الكثير من الناس مع أيام وليالي شهر رمضان المبارك إلا من رحم الله. هذا الشهر العظيم فيه من الخيرات والبركات والنفحات والجوائز ما لا يعلمه إلا الله وفيه من الأجر والثواب مالا يتاح في غيره من الشهور؛ فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:(يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلو فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) متفق عليه. ومع كل ذلك تجد الكثير منّا وبمجرد دخول هذا الشهر العظيم، لا يهتم كثيرًا باغتنام وقته واستثمار فرص مضاعفة أجور الأعمال الصالحة خلال الأيام المباركة، بل ربما على العكس؛ حيث يحلو للبعض مع ليالي الشهر الكريم الاهتمام بالتسلية والانشغال بالألعاب والمنافسات والسفريات، والتردد على الأسواق، وشراء الكماليات، وغيرها من الأمور التي كان بالإمكان تأجيلها إلى وقت آخر أو من المفترض الانتهاء منها قبل بداية شهر رمضان المبارك.
وإذا كان شهر رمضان مليئًا بالعبادات والأعمال الصالحة من صيام، وقيام، وقراءة قرآن، وصدقة وصلة رحم، ودعاء وذكر وغيرها من أعمال الخير، إلا أن ذلك ليس مبررًا لتقصير الشخص في أداء مهام وظيفته؛ حيث يترتب على ذلك؛ الإضرار بمصالح الناس، ولأن عمل المسلم كله عبادة إذا صلحت نيته، فحين سُئل الشيخ عبدالعزيز بن باز -يرحمه الله-؛ هل من السُنة التفرغ في رمضان للأعمال الصالحة والانصراف للراحة والعبادة، فأجاب فضيلته: المسلم الذي يوفقه الله للجمع بين العبادات الخاصة والعامة يكون قد حصل على خير عظيم، وهكذا أداء الوظيفة المسندة إليه في رمضان بنصح وصدق من جملة العبادة التي يُثاب عليها، وعليه ألا يتّخذ من الشهر المبارك وقتًا للبطالة والنوم والغفلة والإعراض.
الخاتمة:
عن ابنِ عباسٍ، رضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قالَ: “كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ”. متفق عليه.
————-
• عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة.